وبعد انتهاء المعركة بدأت التساؤلات تسري بين الصحابة عن أسباب هذا الانكسار وهذه المصيبة التي لم يعهدوها من قبل، فكان الرد القرآني الحاسم بأن السبب الذي استدعى هذا كله هو: من عند أنفسكم {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].
فتعلم الجميع الدرس، وتعاملوا مع الأحداث بعد ذلك من هذا المنطلق، فها هو عمر بن الخطاب يودع سعد بن أبى وقاص رضي الله عنهما قبل سفر الجيش لملاقاة الفرس في القادسية فكان مما قاله له: «وآمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليكم من عدوكم».
اتهام النفس أولاً:
من هنا يتأكد لنا بأن أهم سبب لوقوع الابتلاء هو الذنوب والتقصير والمخالفات من جانب أبناء الدعوة وإن كانت قليلة إلى المجموع.
لابد أن تكون هذه الحقيقة من البدهيات التي ينبغي أن ترسخ في أذهاننا وتُستدَعى سريعًا وقت حدوث الابتلاء.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الأسوة في ذلك، فبعد خروجه من الطائف، وابتلائه الشديد فيها بصورة لم يسبق لها مثيل، فإن أول ما تبادر لذهنه صلى الله عليه وسلم بأن يكون قد حدث منه شيء استدعى غضب الله فتمثل في هذا الابتلاء .. تأمل معي ما ناجى به ربه وهو في طريق عودته من الطائف: «إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، لكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العتبي حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك».
وبناء على ما سبق، فعلى كل منا أن يرفع شعار (هل أنا السبب؟) عند حدوث أي ابتلاء للدعوة، وأن يوجه المرآة إلى نفسه، ويفتش في أموره كلها باحثًا عن مخالفة خالفها، أو تقصير قصره، أو ذنب اقترفه ولم يتب منه، فلعل هذه الأمور هي التي تسببت في استدعاء الابتلاء من الله عز وجل.
ولا ينبغي أن يستهين الواحد منا بذنب صغير، أو تقصير يقع فيه، فيستبعد أن يكون ذلك هو السبب فيما حدث.
فلربما كان الابتلاء بسبب تهاون البعض في أداء الصلاة في أول وقتها بالمسجد، وكيف لا يكون ذلك، والمسجد هو بيت كل تقي، والصلاة في أول وقتها من أحب الأعمال إلى الله، وعندما يهجر البعض المساجد، ويؤخر الصلاة عن أول وقتها فإن ذلك بلا شك لا يرضي الله عز وجل، وخاصة لو كان الأمر يخص الفئة المصطفاة والمختارة للقيام بأعظم مهمة ... مهمة إيقاظ الأمة.
ولربما كان الابتلاء بسبب تساهل البعض فيما لا ينبغي التساهل فيه، والتوسع في دائرة المباحات، والوقوع في دائرة الشبهات بل والمحرمات {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
ولربما كان الابتلاء بسبب التنازع والخلافات وتبادل الاتهامات {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].