فصل في اللحن
اللحن عند العرب: الفِطنة. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "لعل أحدكم أن يكون الحن بحجته"، أي أفطن وأغوص عليها؛ وذلك أن أصل اللحن أن تريد الشيء فتوري عنه بقول آخر، كقول العنبري الأسير، كان في بكر بن وائل حين سألهم رسولاً على قومه، فقالوا له: لا ترسل إلا بحضرتنا؛ لأنهم كانوا أزمعوا غزو قومه، فخافوا أن ينذر عليهم. فجيء بعبد أسود، فقال له: أتعقل؟ قال: نعم، إني لعاقل. قال: ما أراك عاقلاً. ثم قال: ما هذا؟ وأشار بيده إلى الليل، فقال: هذا الليل. قال: أراك عاقلاً. ثم ملأ كفيه من الرمل فقال: كم هذا؟ فقال: لا أدري، [وإنه] لكثير. فقال أيما أكثر النجوم أم التراب؟ قال: كل كثير. قال: أبلغ قومي تحية، وقل لهم: ليكرموا فلاناً، يعني أسيراً كان في أيديهم من بكر؛ فإن قومه لي مكرمون. وقل لهم: العرفج قد أدبى، وقد شكَّت النساء. وأمرهم أن يعروا ناقتي الحمراء، [فقد] أطالوا ركوبها، وأن يركبوا جملي الأصهب بآية ما أكلت معكم حيساً. واسألوا الحارث عن خبري.
فلما أدى العبد الرسالة إليهم قالوا: لقد جُن الأعور، [والله] ما نعرف له ناقة حمراء ولا جملاً أصهب. ثم سرحوا العبد، ودعوا الحارث فقصوا عليه القصة. فقال: أنذركم. وأما قوله: أدبى العرفج، يريد أن الرجال قد استلأموا ولبسوا السلاح.