ومن ذلك: أن يسأل الرجل عن رجل قد رآه، فيكره أن يكذب، وقد رآه، فيقول: إن فلاناً ليرى.
ومثله: حديث امرأة عثمان بن مظعون، حين بلغ النبي، صلى الله عليه، عنه وعن أصحابه ما بلغه مما كانوا هموا به من السياحة والتعبد. فجاء إليهم، عليه السلام، فوجدهم قد تفرقوا، فسألها عن الحديث، فقالت: إن كان عثمان قد أخبرك بذلك، يا رسول الله، فقد صدق. فكرهت أن تنمَّ على زوجها بما كان منه، وكرهت أن تكذب النبي، صلى الله [عليه]. [فسمي] هذا تعريضاً.
ومن ذلك قوله، عز وجل: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}. والمعنى: إنا لضالون أو مهتدون، وإنكم لضالون أو مهتدون. وهو يعلم أن رسوله، صلى الله عليه، المهتدي، وأن مخالفه الضال. وهذا كما تقول للرجل يكذبك ويخالفك: إن أحدنا لكاذب. وأنت تعنيه، فكذبته من وجه هو أحسن من التصريح.
وروي أن قوماً من الأعراب خرجوا يمتارون. فلما صدروا، خالف رجل منهم، في بعض الليل، إلى عكم صاحبه، فأخذ منه براً وجعله في عكمه. فلما أرادوا الرحلة قاما يتعاكمان، فرأى عكمه يشول وعكِم صاحبه يسفل.
فأنشأ يقول:
عكم تغشَّى بعض أعكام القوم ... لم أرعكما سارقاً قبل اليوم
فخوَّن صاحبه بوجه هو أحسن وألطف من التصريح.
وكذلك قول الله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ