ثم استخلف علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وذلك بعد اتفاق المسلمين وفيهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان أولو الأمر والنهي منهم أربعة الذين ليس لهم نظير في الأمة لهم في الهجرة، والسابقة، والنصرة، والغناء في الإسلام مع تقديم الأمة في أمر دينهم ودنياهم، ولا تنازع بين الأمة في ذلك ولا اختلاف، وهم بقية العشرة الذين شهد لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وقبض رسول الله وهو عنهم راض، أهل بيعة الرضوان، وأصحاب بدر وأحد وحراء، وهم: علي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، وسعد بن مالك - رحمة الله عليهم -، فلم يختلفوا أن علياً أعلى الأمة ذكراً، وأرفعهم قدراً، وأجلهم خطوا، وأوسعهم علماً، -[426]- وأعظمهم حلماً، وأفضلهم منزلة في الإسلام، وهجرته ونصرته وسوابقه وحسن بلائه، وعظيم غنائه، وتقدمه في الفضل والشرف، وفي كل مشهد كريم ومقام عظيم يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، ويحبه المؤمنون، ويبغضه المنافقون، شهد له بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يقصر عن كل خطة رفيعة ومقام جليل، لا ينقصه تقدم من تقدمه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل رفعته معرفته بفضل من قدمه على نفسه، إذ كان ذلك موجوداً فيمن هو أفضل منه قال الله تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من -[427]- كلم الله ورفع بعضهم درجات ... الآية}، ولم يكن فضل بعضهم على بعض بالذي يضع من دونه، وكل الرسل صفوة الله وخيرته من خلقه وبريته، - عليهم السلام-.
فولي علي أمر المسلمين بعد إجماعهم عليه، ورضاهم به، فلم يختلف أحد من أهل العلم في علمه وعدله وزهده وحسن سيرته، وأنه لم يعد سيرة أصحابه، ولا حكم بغير حكمهم، حتى قبضه إليه شهيداً، - رحمه الله - من إمام هادٍ مهتد عالم مقسط، رحمة الله عليه ورضوانه، وأحيانا الله على اتباعهم، والاهتداء بهديهم، والاقتفاء لآثارهم، والمحبة لهم، والسلامة من خصوماتهم وتبعتهم، إنه رحيم ودود فعال لما يريد.