كذا قال ابن سند، ولا محل للتفصيل هنا. وعلى كل حال إن كسرة شمر هذه الَمْرة لَمْ تكن القاضية وإنمَا هي على عادة العرب في قولهم " الحرب سجال ". ولذا لَمْ تتركهم الحكومة، وإنمَا أخذت بيدهم فاستعادوا مكانتهم الأولى فقاموا بمهمَاتها الحربية مع العشائر الَمْناوأَة. وكان للحكومة من العشائر مَا هم بمنزلة جيش متأهب للطوارئ وحاضر للكفاح والاستنفار. وحوادث صفوق الأخرى من هذا النوع. ومنها مَا يتعلق بالقبائل الشمرية ولكن حادثة سنة 1249هـ - 1831م تدل على أنه بقى على ولاءِ داود باشا الَوْزير وكره حكومة علي رضا باشا فلَمْ يذعن له. وذلك أن والي الَمْوصل يحي باشا كان أيضاً على رأي الشيخ صفوق الفارس وكانت بينهمَا مراسلات. حث صفوقاً على القيام فناوأَ الحكومة وتمكن من قطع الطريق بين بغداد والَمْوصل وصار يتجول بين النهرين فجمع قوة كبرى وحاء إلى قرب الإمَام موسى الكاظم فحارب علي رضا باشا الَوْالي وجيش الحكومة وأمله كبير في أن ينكل بالقوة التي أمَامه ويستولي على بغداد فكان لهذا الحادث وقع عظيم في نفس الحكومة، وفي نتيجة هذه الحرب اضطر الشيخ صفوق على الانسحاب وترك الأثقال. ولَمْا اطلعت الحكومة على نوايا والي الَمْوصل عزلته وعينت مكانه سعيد باشا الَوْالي السابق وكان في بغداد. إن الحكومة بعد وقعة صفوق هذه مع علي رضا باشا اللازم قد احتالت فقبضت عليه وأبعدته إلى الأستانة ومعه ابنه فرحان باشا وكان صغيراً تعلَمْ التركية خلال بقاء والده هناك، وكانت الَمْدة التي قضاها ثلاث سنوات. ومن غريب مَا يحكى عنه أنه جاء إلى السلطان يتوسط الشريف عبد الَمْطلب فدخل عليه وعندئذ صار ينظر يميناً وشمَالا. وهذا مَا دعا أن يغضب عليه السلطان مرة أُخرى ويطرده من عنده ولَمْ يدر السبب في حين أنه كان يأمل أن يكرمه. ذلك لَمْا رآه السلطان منه من سوء الأدب، هكذا كان يظن السلطان فيه ولَمْ يدر أنه بدوي، وأمثاله لا يعرفون مراسم التشريفات، والحكومة أساساً لا تعرف تقاليد العرب وعاداتهم فلا يستغرب من السلطان أن يعتقد فيه مَا اعتقد وهو بعيد عن البداوة، ولَمْ يتعود التجول ولا السياحات الَوْطنية على الأقل، ولا بيده من كتب العشائر مَا يبصره بأوضاعهم. وقد رأينا من الَمْغفور له الَمْلك فيصل صبراً عظيمَا من جفاء العشائر وخشونتها وهو يسمع جميع هوساتها ويتلقاها بكل سعة صدر وارتياح، لأنه عارف بهم وبضروب طباعهم وأحوالهم. ثم إنه توسط له الشريف مرة ثانية في الدخول فوافق السلطان، ولكنه حينمَا جاء إِلى الصدر الأَعظم صار يوصيه بمراعاة الَمْراسم اللائقة وأَن لا يرفع بصره لا يلتفت إلى جهاته، فقال: لا أَدخل، ولا فائدة لي من ذلك الدخول وحينئذ أُرجح البقاء لأني سوف أذهب إلى قبائلي وأُحدثهم أَني رأيت السلطان وشاهدت بلاطه ومَا فيه من كذا وكذا، ولَوْ قلت لهم: إني خرجت كمَا دخلت فلَمْ أنظر شيئاً فحينئذ لا يصدقونني بل يكذبونني وقالَوْا: لا نصدق أنك دخلت. فأوصل خبر ذلك إلى السلطان فاستأنس بمَا قصه، وسمح له أن دخل وأذن السلطان له بمشاهدته وأن يتفرج على الأمَاكن الأخرى والنظارات " الَوْزارات " وكل الَمْباني البديعة والقصور الفخمة والآثار. عفا عنه السلطان، واختبر هو الَوْضع من جهة، ومن أُخرى أن قبيلته معتادة الغزو والنهب ولا يمكن تعيين أي السببين قد دعا لقيامه على الحكومة مرة أُخرى زمن الَوْالي نجيب باشا ويقال في هذه الَمْرة لَمْ تعلن الحكومة مطاردته وإنمَا اتخذت طريق الَمْسالَمْة والحيلة للقبض عليه وأرسلت إليه رؤساء القبائل الَمْشهورين لتقريبه من الصلح والانقياد والطاعة. فجاءوا به كمطيع، مسالَمْ لها ومنقاد، فلَمْا وصل إلى هور عقرقوف وقارب بغداد سل محمد بك سيفه عليه وضربه فقتله غدراً وعلى غفلة منه. وكان الشيخ صفوق قد قضى أكثر أيامه بالحروب فهو متمرن عليها، لا يستريح بدونها، وقصصه أشبه بقصص الأبطال القدمَاء وحروبهم، ومجالس شمر لا تخلَوْ في وقت من ذكريات بسالته، والتغني بمَاثره ومناقب شجاعته. واليوم بيت الرياسة العامة على شمر في " آل صفوق ". قيل كان قتل صفوق على يد الأتراك بالَوْجه الَمْذكور سنة 1840 - 1841م كمَا جاء في كتاب " عشائر سورية " وفيه نظر، لأن وقائعه مع علي رضا باشا بعد هذا التاريخ كمَا رأيت. ومن أولاده: فرحان، وعبد الكريم، وعبد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015