3 - آل جفال، وهم مشهورون بالدلالة، أي معرفة الأراضي والطرق. وأشهر رجل رأيته فيهم ذياب الجفال، وقد استصحبته في بعض الأسفار، فقال لي: تريد طريقاً سهلاً أسيرك فيه؟ أو ذا شجر أو ذا رضم " حجر "؟ وعلى كل حال فهؤلاء العبيد كانوا قوته الأصلية. ولَمْا ألفت قوة الهجانة، كان هؤلاء العبيد يبلغون مسلحا وقد أصبحوا من ضمن قوة الهجانة. وبعد إكمَال تأليف القوة، أصبحت الجزيرة دار أمَان، والغزو قضى عليه قضاء تامَا، وكانت قوة الهجانة من الَوْجهة الادارية والانضباطية والتدريبية والتجهيز والتسليح بإمرة قائد الهجانة معاون مدير الشرطة ومعرفته، وأَمَا قبض الرواتب وتوزيعها فكانت بمعرفة الشيخ عقيل الياور، وتعد هذه القوة " معاونية هجانة " تابعة لَمْدير شرطة لَوْاء الَمْوصل، إلا أَن مركزها الدائم في الَمْنزل الذي ينزل فيه شيخ مشايخ شمر، وكان الَمْركز عند تأُليفها في الَمْوقع الَمْسمى " اخضيروات " قرب قرية الإبراهيمية التابعة لقضاء تلعفر، وكان الشيخ وقوته يتنقلَوْن من مكان إلى آخر مَابين هذا الَمْوقع الأَثري الَمْشهور الَمْعروف باسم " الحضر " بالجزيرة، ولَمْا أَلفت القوة الَمْركزية في الحضر، أَصبح مقر الهجانة ومشيخة شمر في الحضر، إِلى أَن نقلت منها إِلى معاونية شرطة قضاء الَمْوصل. كان شيخ مشايخ شمر عقيل الياور طويل القامة حسن الخلقة والخلق محبوباً حسن السمعة قبل أَن يصير شيخاً وكان موفقاً حين مَا كان يقود الغزو، وكان حسن التصرف بتوزيع الغنائم، فهذه أكسبته بين العشائر ولا سيمَا بين شمر السمعة الحسنة، أمَا حظه، فكمَا ظهر كان موفقاً لَمْا كان يقود الغزو، وظهر بتوفيق احسن عندمَا صار شيخاً حيث تتراكم الشكاوي من تعديات شمر على قرى الَمْوصل والَمْستطرقين لدى " القائم مقامين " ولا سيمَا قائمي تلعفر وسنجار، وعند متصرف الَمْوصل والَمْفتش الإداري البريطاني، حتى يؤول الأمر إلى مراجعة الَوْزارة في بغداد، وتصدر أوامر بتوقيف دفع مخصصات الشيخ الذي يسافر بعد ذلك إلى الَمْوصل ويواجه الَمْتصرف والَمْفتش الإداري، وينتج من وراء هذه الَمْواجهة إلغاء أوامر توقيف دفع الَمْخصصات، وطبعاً هذا يدل على لباقته وحسن تصرفه بالحديث وحظوته، وهكذا كان موفقاً طوال حياته - رحمه الله - وهو أُمي لا يقرأ ولا يكتب، اجتهد حتى تعلَمْ أن يوقع توقيعه بيده كتابة. البدو وإن كانوا في باديتهم بعيدين عن الَمْدن والحضارة، يفهمون وضع الحكومة والحكام ونفوذ الإنكليز في سياسة العراق، وهذا الشيخ عقيل الياور الذي رفض أن يكون قائد بيرقه ضابطاً بريطانياً، اعتقد البدو أنه لَوْ لَمْ يوافق الإنكليز لَمْا صار شيخاً، كمَا يظهر ذلك من قصيدة شاعر البدو الَمْعروف بابن دوخي التي مدح فيها عقيلا الياور عندمَا صار شيخاً، وقال في مدحه له في مطلع القصيدة:
تَوْنِي لَقَيْت الغَيْهَبي ... ليثٍ تِقَفَّى سرْبتِهْ
يَا دهام يَا وَرْنَا عَقِيْلْ ... مِنْ لَنْدَنْ جَتْنَا رِتْبته
وقال الراوي عن فرحان: ولا بأس من أن أُورد هنا قصة طريفة عن فرحان باشا الجد الأعلى لشيوخ شمر الجربة الحاليين، تدلنا على مَا لعادة الغزو من رسوخ في نفوس البدو في الجيل القريب تقول الرواية إن فرحان باشا ذهب في أحد الأيام إلى قرية الَمْشاهدة القريبة من الكاظمية " من ضواحي بغداد " فرأى سكانها ضخام الأجسام، فسألهم: هل تغزون؟ فقالَوْا: لا، فإننا لا نستطيع أن نغزو، ولَمْ نتخذ الغزو صنعة، فقال لهم: أغزوا من هم أطقع منكم، أي أضعف منكم. وقال حمد الشرابي يمدح آل الجربا في الجزيرة:
ابُوْي قَبْلِي نَازْلٍ لِهْ بْمَرْجَه ... وَانَا نِصيْتِ مهدمِيْن الْجْمُوْع
ووجدت في كراسات الشيخ منديل هذه القصيدة لَمْنوخ الغويري يخاطب السويط ويدافع عن آل الجرباء وزعيمها بُنَيَّةَ، بمناسبة إبل أُخذت من الجربان:
يَاَرَاكبْ حرٍّ تطارخ ايديّهْ ... من نسل فْرحَةْ عَدْلَ الأَيْدي حْوارَهْ
كنه إِلى انْحَا معْ خطاة الثَّنيَّة ... سَيْلٍ تحدر معْ شفا راس قارهْ
ملفاكْ مَانعْ زَبْن رَاعَ الرّذيَّهْ ... الشايب اللِّي كلِّ شيْبِهْ خيَارَهْ