. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: " منتقع اللون ": قال الهروى: يقَال: انْتَقَع لَوْنُه وانتُقِع والْتُمِع واستُنْقع والتُمئ (?) بمعنًى واحد كلها عن الفراء. وقال الأزهرى: التُمِغ بالغين المعجمة أيضاً، وانتُشِفَ بالمعجمة أيضاً (?).
قال القاضى: وأصل انتُقع - والله أعلم - من النقع، وهو التراب، أى تغير وجهه وزال عنه نور الحياة حتى أشبه التراب، وكأنما ذُرَّ عليه.
وفى هذه القِصَّة أدلُّ حُجَّةٍ وأوضح بُرهان، وأصح دليل على مذهب أهل الحق من أن الموت والحياة وسائر الأشياء من فعل الله تعالى وخلقه محضاً ليس يوجبهما سبب ولا تقتضيهما طبيعة، ولا يشترط لوجودهما شَرْطٌ لا يوجدَان إلا معَه البتَّة - إلا من حيثُ أجرى الله العادة، حتى إذا شاء خَرَقها وأنفذ قدرته كيف شاء وكانت بمجرد قدرته وإرادته - خلافاً للفلاسفة ومن ضارع مذهبهم من المعتزلة (?)، فإنَّ شق الجوف وإخراج الحشوة (?)، وإخراج القلب وشقه ومعاناته وغسله، وإخراج شىء منه كل (?) ذلك مقتل فى العادة وسبب يوجد معه (?) الموت لا محالة، وقد اجتمعت هذه كلها فى هذه القصة ولم يمُت صاحُبها، إذ لم يُرد الله موته ولا قضاه، بل كانت هذه المهالك فى حق غيره أسباباً لحياة نفسه وقوة روحه وكمال أمره.
ويحتمل أن تكون هذه العلقةُ التى استُخْرجِتْ من قلبه هى أحدُ أجزاء القلب المختص بها حبُّ الدنيا والنزوع للشهوات التى منها يأتى الشيطان، [أو ما تختص بها عوارض السهو والغفلة، كل ذلك بتدبير العزيز الحكيم - وهى الأبواب التى يأتى منها الشيطان - فطُرِحت عنه] (?) فلا يجد الشيطان إليه سبيلاً، كما طُرح عن يحيى شهوة النساء (?).
أو تكون تلك العلقة - إذا كانت فى القلب - هى القابلة لوِسْواسِ الشيطان والمحركة للنفس بما ركب اللهُ فيها من القُوى لما يوافقه، فأُزيحت عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليسلم من دواعيه الخبيثة، ونُقى القلبُ وغُسِل منها حتى لا يبقى لها أثر فى القلب جملةً.