وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى. وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ، أَخِى أَبِيهَا. وَكَانَ امْرَأ تَنَصَّرَ فِى الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِىَّ وَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّة مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِىَ. فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَىْ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: يَابْنَ أَخِى، مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَآهُ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِى أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا لَيْتَنِى فِيهَا جَذعًا، يَا لَيْتَنِى أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عساه خشى أنه لا يقوى على مقاومة هذا الأمر، ولا يقدر على حمل أعباء الوحى فتزهق نفسه، أو ينخلع قلبه لشدة ما لقيه أولاً عند لقاء الملك، أو أن يكون قوله هذا لأول ما رأى التباشير فى النوم واليقظة وسَمِعَ الصوت قبل لقاء الملك وتحقيقه رسالة ربه، فيكون ما خاف أوَّلاً أن يكون من الشيطان، فأما مُنذ جاءه الملك برسالة ربه فلا يجوز عليه الشك فيه، ولا يخشى من تسلط الشيطان عليه (?).
وعلى هذا الطريق يحمل كل ما وَرَدَ من مثل هذا فى حديث المبعث (?).
وقول خديجة - رضى الله عنها -: " لا يخزيك الله أبداً " كذا قال يونس وعُقيل، بالخاء المعجمة والياء، وقال معمر: " يَحزُنك " بالحاء المهملة والنون.
ومعنى: " يخزَيك ": يفضَحُك ويُهينُك، بلُ يثبّتُكَ حتى لا يُنسَبَ إليك كَذِبٌ فيما قُلتَه ولا يُسَلَّط عليك شيطان بتخبطه الذى حَذرتَه. ومعنى " يُحْزِنُكَ ": أى يوقع ما تخافه من ذلك.
وهذا تأنيس منها للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن كان هذا الأول ما رأى من المقدمات والتباشير، وقبل تحقيقه الرسالة ولقاء الملك. أو يكون قوله لما خشى من ضعف جسمه عن حمل ذلك.