حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لنَا منْها فُرْجَةً، نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفَرَجَ الله مِنْهَا فُرْجَةً، فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ.
وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ، إِنَّهُ كَانَتْ لِىَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتَهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا، فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمَائَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَجِئْتُهَا بها فلما وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ يَا عَبْدَ الله، اتَّقِ الله، وَلاَ تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً. فَفَرَجَ لَهُمْ.
وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ، إِنِّى كُنْتُ اسْتَأجَرْتُ أَجِيرًا بفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِى حَقِّى، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا. فَجَاءَنِى فَقَالَ: اتَّقِ الله، وَلاَ تَظْلِمْنِى حَقِّى. قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: " فلم يزل ذلك دأبى فى واديهم ": أى حالى اللازمة. والدأب: الملازمة للشىء والعادة له. وقوله: " فبقيت حتى جمعت مائة دينار، فجئتها (?)، فلما وقعت بين رجليها " أى جلست منها مجلس الرجل من المرأة، كما جاء في حديث آخر (?) " قالت: اتق الله ولا تفض (?) الخاتم إلا بحقه "، الحق هنا: الوجه الجائز من نكاح لا بالباطل من الفاحشة، والخاتم كناية عن عذرتها، أى لا يستبيح افتضاضها إلا بما يحل من النكاح.
وقوله: " فقمت عنها ": فيه أن من همّ بمعصية فتركها لله تعالى، وإن كان قد عزم عليها ووطن نفسه على فعلها، فإن ذلك يصير من تركه ونزوعه طاعة، وهى توبة حقيقة عنها، بدليل قوله فى الحديث الآخر: " فاكتبوها حسنة، لأنه إنما تركها من أجلى "، وقد مضى الكلام على هذا مفسراً مستوعباً أول الكتاب (?).
وقوله: " استأجرت أجيراً بفرق من أرز": هو إناء قدر ثلاثة آصع. قال بعضهم: بسكون الراء وفتحها، وكذا قيدناه عن كثير من شيوخنا، والأكثر الفتح. قال الباجى: وهو الصواب. وكذا قيدناه عن أهل اللغة. قال: ولا يقال بالإسكان.
قال القاضى: قد ذكر ابن دريد - من أئمة أهل اللغة - أنّه يقال بهما معاً، وقد تقدم فى الطهارة ذكره (?).