. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

حقوق الناس فذلك فى النار، وقاضٍ قضى بالحق فذلك فى الجنة " (?). وفى الرواية الأخرى: " وقاض علم قوله هذا، فعدل فأحرز أموال الناس وأحرز نفسه ". ومعنى قوله هنا: " أخطأ " يعنى وجه الحكم. وجعل له الأجر لاجتهاده لأنه فى طاعة بعلمه، ولم يكمل لعدم إصابته، والآخر تم له الأجر لكمال أجره فى الاجتهاد والإصابة لوجه الحكم، فكان له من الأجر الكثير الجسيم بقدر ذلك.

وقد استدل بهذا الحديث من يرى أن الحق فى طرفين، وأن كل مجتهد مصيب، قال: لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل له أجراً. واحتج به - أيضاً - أصحاب القول الآخر بأن المصيب واحد والحق فى طرف واحد؛ لأنه لو كان كل واحد مصيباً لم يسم أحدهم مخطئاً، فجمع الضدين فى حالة واحدة. ومعنى الحديث عند الطائفة الأولى فى أنه أخطأ النص وذهل عليه (?)، أو ما لا يسوغ الاجتهاد فيه من الدلائل القطعية مما خالفه إجماع، وما اطلع الله - سبحانه - أو نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حقيقه الحق [فيه] (?) ووجه الحكم، فهذا متى اتفق لحاكم الخطأ فيه بعد اجتهاده لم يختلف فى نسخ حكمه [ورد نظره وإخبار خطئه، وهو] (?) الذى يصح عليه إطلاق الخطأ.

وأما للمجتهد فى قضية ليس فيها نص ولا إجماع فمن أين يقال: إنه أخطأ؟ ولا يلتفت إلى قول من لم يحقق لقوله: " إن فى كل نازلة حكماً عند الله تعالى هو الصواب، فإذا أخطأ المجتهد كان مخطئاً، وإذا أصابه كان مصيباً " فى أن هذا تخييل وتوهيم، ممن لا تحقيق عنده، إذ النوازل التى لم يبرز الله لها حكماً ولا نص لنا على وجه حكمها من حرمها لا حكم لله فى شىء منها، سوى ما سبق فى قديم مشيئة علمه فى آحادها من اختلاف المجتهدين فيها، وأن الشافعى يحكم فى نازلة فلان بالجواز، ومالك يحكم فى نازلة فلان آخر وهى مثلها بالمنع، وأبو حنيفة يحكم فى قضية فلان بالتعزير، ومالك يحكم فيها بعينها لأخر بالرجم. وهكذا فى تفصيل آحاد النوازل فى علم الله - سبحانه - وسابق كتابه، الذى لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء.

فإذا وقعت هذه النوازل فكل حاكم حكم فيها باجتهاده فهو الذى علمه الله - تعالى - وشاءه، وما نفذ فيها فهو قضاؤه - تعالى - بها وحكمه، ولا تناقض فى هذا كما زعم الآخرون حتى يكون الشىء حلالاً معاً وصحيحاً فاسداً فى حالة واحدة وواجباً حراماً فى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015