إِلا كِسَائِى وَفَأَسِى. قَالَ: " فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَروُنَكَ؟ ". قَالَ: أَنَا أَهُونُ عَلَى قَوْمِى مِنْ ذَاك. فَرَمَى إِلَيْهِ بِنِسْعَتِهِ. وَقَالَ: " دُونَكَ صَاحِبَكَ "، فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ " فَرَجَعَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّكَ قُلْتَ: " إِنْ قَتَلَهُ فَهوُ مِثْلُهُ " وَأَخَذْتُهُ بِأَمْرِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبَكَ؟ " قَالَ: يَا نَبِىَّ اللهِ - لَعَلَّهُ قَالَ - بَلَى. قَالَ: " فَإِنَّ ذَاكَ كَذَاكَ ". قَالَ: فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهو قوله فى الحديث: فرمى إليه بنسعته وقال: " دونك صاحبك ".
وقوله: فلما ولى به قال: " إن قتله هو مثله "، وقول الرجل: يا رسول الله، قلت لى إن قتله فهو مثله وأخذته بأمرك. فقال: " أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟ " قال: يا نبى الله، لعله قال: بلى. قال: " فإن ذلك كذلك " قال: فرمى بنسعته وخلى سبيله. وفى الرواية الأخرى: فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أدبر به: " القاتل والمقتول فى النار ": وفيه أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله أن يعفو عنه، قال الإمام - رحمه الله -: أما قوله - عليه السلام -: " إن قتله فهو مثله " فإن أمثل ما قيل فيه: أنهما استويا بانتفاء التباعد عن القاتل بالقصاص.
وأما قوله - عليه السلام -: " أما تريد أن يبوءَ بإثمك وإثم صاحبك " فيمكن أن يريد أنه يتحمل إثم المقتول أو إثم أخيه ولى الدم لا على جنايته عليهما بقتل هذا أو فجعة هذا بأخيه، ويكون هذا قد أوحى إليه به فى هذا الرجل، ويمكن أن يريد أنه باء بإثم القتيل، وأضافه إليهما وإن كان فى الحقيقة هو أثم بالقاتل لا بهما؛ لأنهما كالشيئين فى تأثيمه لما أدخله عليهما من المصائب، وفى الكتاب العزيز: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ} (?) فجعله رسولاً لهم لاختصاصهم به وهو فى الحقيقة رسول الله.
وفى كتاب أبى داود: " أرسله فتبوء بإثم صاحبه وإثمه " وفى بعض طرقه: " أما إنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبك " (?) فقيل: المراد فى أخيه الإثمين؛ ما على القاتل من الآثام من غير قتل، فكأنه مطالب بها مع الإثم الثانى الذى هو إثم القتل، ولو قتل لكفرت عنه الآثام. وقد ذكر أبو داود أن القاتل ذكر ما أراد قتله، وأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن كان صادقاً فقتلته دخلت النار "، وهذا يشير إلى أن المراد بقوله: " فهو مثله " أن القصاص يكون ظلماً وعدواناً إذا علم الولى صدقه، ولكن لا يصح هذا التأويل مع الاقتصار على مجرد قوله: " إن قتله فهو مثله ".
قال القاضى - رحمه الله -: وقيل: " هو مثله " أى قاتل كما ذلك قاتل، وان اختلفا فى الجواز والمنع، لكنهما استويا فى طاقة الغضب وشفاء النفس لاسيما مع رغبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ