حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِى فِى امْرَأَتِكَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِى؟ قَالَ: " إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِى بِهِ وَجْهَ اللهِ، إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يُنْفَعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ. اللهُمَّ، أَمْضِ لأَصْحَابِى هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ ".

قَالَ: رَثَى لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّ تُوُفِّىَ بِمَكَّةَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

حالاً لهم وأطيب لنفس الموصى بتركهم بحال حسنة. وفيه أنّ صلة من قَرُب أولى وأفضل من بَعُد. واستدل بهذا الحديث مَنْ يفضل الغنى على الفقير؛ إذ جعل فيه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرًا للورثة أو للموصى، ولو كان بخلاف ذلك لكان شرًا لهم وله. وروينا قوله: " إنك إن تذر ورثتك أغنياء " بفتح الهمزة وبكسرها، وكلاهما له معنى صحيح. فعلى الفتح تقدير: إنك تركك ورثتك أغنياء، تقدر " أن " مع فعلها بتقدير المصدر، والكسر على الشرط.

قال القابسى: فيه أنّ ميراث العصبة مع أهل الميراث لقوله: " إن تذر ورثتك أغنياء "، وقد قال: " لا يرثنى إلّا ابنة لى ".

وقوله: " وإنك لن تنفق نفقة فتبتغى بها وجه الله إلّا أجرت بها، حتى اللقمة تجعلها فى فى امرأتك ". يقتضى أن الأجور فى المباحات والإنفاق إنما هى على النيات وابتغاء وجه الله، وما كان يقصد به الستر وأداء الحقوق وصلة الأرحام، وكذلك ما ينفقه الإنسان على نفسه، أو يقصد به إحياء نفسه والتقوى على عبادة ربه. وقد يستدل به على وجوب الإنفاق على الزوجات.

وقوله: " أُخَلَّف بعد أصحابى ": يريد بمكة، إمّا إشفاقًا منْ موته بها إذا كان هاجر عنها وتركها لله، فخشى أن يقدح ذلك فى هجرته أو فى ثوابه على ذلك، أو خشى بقاءه بعد تحول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إلى المدينة وتخلفه عنه لأجل المرض، فكانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه لله؛ ولهذا جاء فى غير هذه الرواية: " أخلف عن هجرتى " (?)، فقيل: كان حكم الهجرة باقٍ بعد الفتح، واستدل من قاله بهذا. وقيل: ذلك لمن هاجر؛ لقوله: أذن للمهاجر أن يقيم بمكة ثلاثاً، فأما مَنْ لم يهاجر إلّا هجرة له لقوله - عليه السلام -: " لا هجرة بعد الفتح " (?)، ويحتمل أنه سأل عن تخلفه فى العمر وطوله بعد أصحابه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015