مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ فَوَ اللهِ، لأَنَا أَغَيْرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغَيْرُ مِنِّى، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلا شَخْصَ أَغَيْرُ مِنَ اللهِ، وَلا شَخْصَ أَحَبُّ إِليْهَ العُذْرُ مِنَ الله، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللهُ المُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمَنْذِرِينَ، وَلا شَخْصَ أَحَبُّ إِليْهَ المِدْحَةُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الجَنَّةَ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من أوصافه هو - عليه السلام - وخلقه، وأنه أغير منه بحسب منيف منزلته، وأخبر أن الله أغير من الكل، وفَسَّر [ذلك] (?) بقوله: " من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن "، وهذا هو حقيقة الغيرة من المنع الذى قدمناه. وقد جاء فى حديث آخر مفسَّراً، قال: " وغيرة الله أن يأتى المؤمن ما حرّم الله " (?)، لكنها فى البشر يقترن بها تغير حال وصفات بطش وانزعاج زائد على مجرد المنع. إذ هم محلّ التغيير واختلاف الحال، والله تعالى لا يليق به شىء من ذلك.
وقوله: " لا شخص أغير من الله ": قيل يحتمل أن يكون معناه: لا ينبغى لشخص أن يكون أغير من الله، وهو تعالى لم يعجل ولم يبادر عقوبة عباده فى اقترافهم ما نهاهم عنه ومنعهم. منه، بل حذرهم وأنذرهم وأعذر إليهم وأمهلهم، فينبغى أن يتأدب بأدبه، ويستن بسنته، وكان هذا ردّ لقول سعد: أأمهله حتى آتى بأربعة شهداء؟ وقوله: " لضربته بالسيف غير مصفح " فصحح هذا التأويل.
وقوله: " ولا شخص أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث المرسلين مبشرين ومنذرين ": أى الإعذار والإنذار لخلقه، قبل أخذهم بالعقوبة، وعلى هذا لا يكون فى ذكر الشخص هنا ما يشكل، وقد يكون ذكر الشخص تجوّزاً، والله تعالى متعال عن التشخص، وإنما وقع الشخص على غيره على معنى شىء واحد، وقيل: قد يكون الشخص بمعنى المرتفع: أى لا مرتفع أرفع من الله؛ لأن الشخص ما شخص وظهر ونما وارتفع.
وقوله: " ولا أحب إليه المدحة من الله "، قال الإمام: المِدحة، بكسر الميم، لا تكون إلا مع إدخال الهاء للتانيث، فإذا ذهبت الهاء وبقى لفظ التذكير فتحت الميم، فيقال: هو المدح وهى المدحة.
قال القاضى: وقوله: " من أجل ذلك وعد الجنة ": معناه - والله أعلم -: أنه لما وعدها ورغب فيها، أكثر السؤال له، والطلب إليه، والثناء عليه، ولا يحتج بهذا على