رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءُ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال الإمام: [المشهور] (?) من قول فقهاء الأمصار: أن النكاح مستحب على الجملة. وذهب (?) داود إلى وجوبه، وسبب الخلاف: تعارض الظواهر فلداود قوله: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} (?)، والأمر على الوجوب، وله الحديث المذكور، وله قوله - عليه السلام - بعد هذا فى حديث ذكر فيه التزويج، وقال فيه: " فمن رغب عن سنتى فليس منى ".
ولفقهاء الأمصار عليه أن الله تعالى خير فى الآية بين النكاح وملك اليمين، والتسرى غير واجب باتفاق، فلو كان النكاح واجبًا ما صح التخيير بينه وبين ملك اليمين؛ إذ لا يصح على مذهب أهل الأصول التخيير بين واجب وبين ما ليس بواجب؛ لأن ذلك مؤد إلى إبطال حقيقية الواجب، وأن يكون تاركه غير آثم، ولهم - أيضًا - قول الله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (?) ولا يقال فى الواجب: أنت غير ملوم إن فعلته، وهذا نحو ما قاله عروة لعائشة فى السعى: إنه لو كان واجبًا لم يقل لاجناح عليك فى فعله (?). وينفصلون عن حديث الباءة بأن داود إنما يوجب العقد خاصة دون الوطء، وذلك لا يحصل معه ما ذكر فى الحديث من تحصين الفرج وغض البصر.
وقد قال بعض أصحابنا: إن قوله - عليه السلام - فى هذا الحديث: " ومن لم يستطع فعليه بالصوم " [فيه حجة على أن النكاح ليس بواجب؛ لأنه خيَّر بينه وبين الصوم] (?)، والصوم المذكور [هاهنا] (?) ليس بواجب، ونحى فى هذا إلى ما ذكرنا من التخيير بين النكاح وملك اليمين، وليس الأمر كذلك، لأنه فى الحديث رتب فقال: " ومن لم يستطع فعليه بالصوم "، وهذا غير مستحيل أن نجمع فيه بين واجب وغير واجب. ويصح أن يقول قائل: أوجبت عليك أن تفعل كذا، فإن لم تستطع فأندبك إلى كذا.
وأما الحديث الذى فيه: " فمن رغب عن سنتى " فمحمله على من أراد أن يفعل من التبتل، وتحريم المحللات على نفسه ما قد فسر فى الحديث.
قال الإمام: والذى يطلق من مذهب مالك: أن النكاح مندوب إليه، وقد يختلف