لقد كان لابن تومرت بعض الجهود وبعض الخلال التى تبدو حميدة بغير ربطها بالوقائع السابقة.
لقد كان فى ابن تومرت طرف من الزهد والعبادة، وكان يلبس العباءة المرقعة (?)، وأخذ من العلم بحظ، بل إنه تجشم الرحلة له إلى بغداد ومصر وتونس وبجاية، حتى إنه كان ممن أخذ عن الإمام أبى حامد الغزالى (?)، ووضع كتاباً فى الحديث اختصر فيه موطأ مالك أسماه " محاذى الموطأ " (?)، كذلك أملى كتاب الصحيح لمسلم على أصحابه وأسماه أتباعه: " الإعلام بفوائد مسلم للمهدى الإمام " (?).
كل هذا لا تفسير له يناسب الوقائع السابقة غير أنه كان السبيل الذى لا سبيل غيره آنئذ لبلوغ غايته، التى للأسف بلغها وأقر بها أعين النصارى وكل عدو للمسلمين.
يقول ابن القطان: " ثم أمروا - يعنى الموحدين - الصبيان الذين يربون تربية موحدية فى عهد عبد المؤمن بن على بكتب التوحيد وحفظه، وكتب موطأ الإمام وحفظه، ومسلم وحفظه " (?).
فى هذه الظروف كان القاضى عياض أحد أعمدة المواجهة، التى اعتمد عليها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ودولة المرابطين فى منازلة الصليبيين، ومدافعة أذنابهم من أتباع وجنود دولة الموحدين المزعومة، فقربه يوسف إليه، وكان لا يحظى لديه إلا من برع فى علم الفروع (?).
ولم يكن جو الجهاد هذا بالغريب على القاضى، فإن أجداده الأعلين قد أسرهم الصليبيون وحملوهم إلى قرطبة - كما سيأتى قريباً - مما حمل جده عمرون للرحيل إلى سبتة ليكون قريباً من أخويه الأسيرين هناك.
وكان إلى القاضى عياض فضل الدفاع عن سبتة - بعد الله تعالى - حيث كان رئيسها بسبب دينه، وأبوته ومنصبه (?).