وعلم الكتاب والحكمة، وحفظ الذكر والدعاء إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعاء إلى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ونحو ذلك مما أوجبه الله على المؤمنين فهو واجب على الكفاية منهم.

وأما ما وجب على أعيانهم فهذا يتنوع بتنوع قدرتهم وحاجتهم ومعرفتهم، وما أمر به أعيانهم، ولا يجب على العاجز عن سماع بعض العلم أو عن فهم دقيقة ما يجب على القادر على ذلك، ويجب على من سمع النصوصَ وفهمها على التفصيل ما لا يجب على من لم يسمعها، ويجب على المفتي والمحدّث والمجادل ما لا يجب على من ليس كذلك.

إذا فهمت هذا فاعلم أنه ليس على عَوَامِّ المسلمين ممن لا قدرة لهم على معرفة تفاصيل ما شرعه الله ورسوله أن يعرفوا على التفصيل ما يعرفه مَنْ أَقْدَرَهُ الله على ذلك من علماء المسلمين وأعيانهم، مِنَ الحكمة فيما شرعه الله ورسوله، بل عليهم أن يؤمنوا بما جاء به الرسول إيماناً عاماً مجملاً، وأن يَكِلوا علمَ ما لم يعلموه إلى عالمه.

ولم يقل أحد من عوامِّ المسلمين فضلاً عن العلماء الأعلام منهم: إنه لا ينبغي للإنسان أن يعمل بشيء مما شرعه الله ورسوله إلا أن يعلم الحكمة َ في ذلك، بل لا يقول ذلك إلا من أعمى الله بصيرة قَلبه، أو زنديق منافق لا يؤمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "مفتاح دار السعادة" بعد كلام سبق فيمن اعترض على ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بعد العلم بالحكمة في ذلك، قال رحمه الله تعالى: ـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015