بل تعرضوا لألفاظٍ معينة ودلالتها، فتكلموا في من وإلى وعن وعلى وأمثالها.
وهناك المباحث التي تدخل فيها الأفعال مع الأقوال، كالحكم، والنسخ، والبيان والإجمال، وما سواها، كادت هذه المباحث أن تكون في كلام الأصوليين مقصورة على الأقوال، ولا يذكر الفعل فيها إلاّ لِماماً، كأنه ضيف زائر، أو حبيب معاتَب.
وكتب الباحثون المتخصصون قديماً وحديثاً في مباحث الأقوال، وأفردوا أكثرها بمؤلفات متخصصة. فكتبوا في الأمر والنهي، وفي الحقيقة والمجاز، وفي تفسير النصوص المجملة. وكتبوا في العموم والخصوص وغير ذلك.
وبالإضافة إلى ذلك كانت الدراسات اللغوية في النحو والبيان والمعاني تقوم بخدمة الأقوال، وبيان أدقّ الفروق في دلالاتها.
لقد حرمت الأفعال النبوية إلاّ من مجهودات ضئيلة، لقد مسّها الأصوليون مسّاً سريعاً في مؤلفاتهم الأصولية الشاملة.
فهل ذلك هو الوزن الحقيقيّ للأفعال؟ هل أعطيت الأفعال (كامل حقوقها وما ينبغي لها؟) إن استقراء مواقع الخلاف بين الفقهاء يظهر بجلاء، أن من أسباب الخلاف بينهم اختلافهم في الأحكام المستفادة من الأفعال، بل لعلّي لا أكون مبالِغاً إذا قلت: إنّ الخلاف في قواعد الأفعال هذه هو السبب الأكبر في الخلاف الفقهي.
ولم نجد، بعد طول البحث، أحداً خصّ الأفعال بمؤلّف خاص، ما عدا اثنين من فضلاء المتأخرين، أحدهما الشيخ أبو شامة المقدسي، من رجال القرن السابع. ورسالته في ستين ورقة تقريباً. والآخر من رجال القرن الثامن وهو الحافظ العلائيّ، ورسالته في نحو ثلاثين ورقة.
لم يُغَطِّ المؤلفان المذكورات جميع نواحي مباحث الأفعال، وكان بحثهما في المواضع التي طرقاها قاصراً من جهات.