كانت بعثته - صلى الله عليه وسلم - حداً فاصلاً بين عهدين: عهد كان فيه بشراً كسائر البشر غير متميّز عنهم بشيء، ولم يطالَب أحد من معاصريه بأن يقتدي بشيء من قوله أو من فعله، فهو يسير بينهم واحداً منهم؛ وعهدٍ آخر كان فيه رسولاً من الله للعالمين.
وقد اختلف الأصوليون هل كان - صلى الله عليه وسلم - في العهد الأول متعبّداً بشرع سماويّ؟.
فمنهم من أثبت ذلك، ونسب القرافي هذا المذهب إلى الإمام مالك (?).
ومنهم من نفاه، ونسبه ابن الهمّام إلى المالكية والمتكلّمين، فمنعته المعتزلة، وقال الباقلاني يجوز ولم يقع (?).
وهي مسألة يتداولها الأصوليون. ولكن قال القرافي: "قال المازري وإمام الحرمين: هذه المسألة لا تظهر لها ثمرة في الأصول ولا في الفروع ألبتة، بل تجري مجرى التواريخ. ولا ينبني عليها حكم في الشريعة" (?).
وقد نقل أصحاب السِّيَر وأصحاب السنن كثيراً من أفعاله وأحواله - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة. وليس المراد بنقولهم هذه أن تكون موضعاً لاستنباط الأحكام الشرعية. والاقتداء بما قال أو فعل. وإنما كان مرادهم أن ينقلوا ما يستدلّ به على أحواله التي