وقد قيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنه قال: "الساكت عن الحق شيطان أخرس" (?).
وقد اعترض على هذا الدليل، بناء على قول من يجوّز على النبي - صلى الله عليه وسلم - الصغائر، بأنه إنما يلزم أن لو قدّر الفعل المقرّ عليه محرماً لكان كبيرة، أو لكان صغيرة وتكرر أمامه - صلى الله عليه وسلم -، فلم ينكره. ذكر الغزالي (?): هذا الاعتراض عن قوم.
وأجاب عنه، بالجزم بجواز التمسّك بالإقرار، حتى على قول من يجوز الصغيرة، محتجّاً بأن الصحابة كانوا يفهمون من التقرير الجواز، دون توقف.
وقال الآمدي: "التقرير على غير الجائز، وإن كان من الصغائر الجائزة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند قوم، إلا أنه في غاية البعد، لا سيما في ما يتعلق ببيان الأحكام الشرعية" (?).
أقول: وقد قدّمت في فصل حجية الأفعال من الباب الأول، أن احتمال الصغائر لا يمنع الاحتجاج بالأفعال، فليرجع إليه.
وقد يقال أيضاً: إن إنكار المنكر باللسان غير واجب في جميع الأحوال، بل يجوز تركه في بعض الأحوال، مع الإنكار بالقلب. بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (?). فإذا كان كذلك فلِمَ لا يقال إن بعض ما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - إنكاره يحتمل أنه تركه لعدم استطاعته تغييره، وقد أنكره بقلبه.
ويجاب عن هذا السؤال، بأن الإقرار الذي نعتبره حجة، هو إقراره - صلى الله عليه وسلم - لأتباعه من المسلمين، وهم منصاعون لأمره، والظاهر أن قوله يؤثر في المخطئ منهم حتى يترك خطأه. فلا يصدق عليه أنه في مثل هذه الحال غير مستطيع الإنكار