وللظروف والأسباب والطريقة والنتائج، تقدير هو الصواب بعينه، وليس لأحد من البشر أن يعقّب على حكمه.
وأهل اللغة عندما يسندون الأفعال إلى الآمر بها، المسؤول عن تقدير أسبابها وظروفها ونتائجها، إنما يصدرون في ذلك عن قناعة نفسية بأن الفعل يعتبر صادراً عن الأمر المسؤول كما يعتبر صادراً عن المأمور الذي لا يزيد عن كونه مجرد آلة (?)، بل أولى.
وكمثال لا تقدم نضرب ما ذكره ابن حزم في مسألة حكم إشعار الهدي. فقد روى ابن حزم (?) حديثاً من طريق النسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر ببدنته فأشعَر في سنامها من الشق الأيمن، ثم سَلت الدَّم عنها وقلدها نعلين.
ثم قال ابن حزم: "ليس في هذا الخبر أنه أمَر بالإشعار. ولو كان فيه، لقلنا بإيجابه مسارعين. وإنما فيه أنه (أمر ببدنته فأشعر في سنامها)، فمقتضاه أنه أمر بها، فأُدنِيَتْ إليه، فأشعر في سنامها، لأنه هو - صلى الله عليه وسلم - تولّى بيده إشعارها. بذلك صح الأثر". اهـ. أي فيدل على الاستحباب.
فليت شعري لو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قد أمر أجيره، أو خادمه أو أحد