ومقصودهم بالفعل صورته، كصلاة مع صوم. فلا يتحقق الاقتداء بصومه - صلى الله عليه وسلم - بفعل صلاة.

ومقصودهم بالوجه: الأغراض في الفعل من نية حكمه، وزمانه ومكانه وسببه وغير ذلك، كما تقدم.

ومقصودهم بقولهم: "من أجل أنه فعله" أن المقتدي لا يحصل منه التأسّي ما لم ينوِ أنه يفعل فعله ذاك من أجل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله".

وذكر مثل هذا الآمديّ (?) وابن تيميّة (?) وغيرهما. ولم يذكره البيضاوي في منهاجه.

وقد قال عبد الجبار في الاستدلال على ذلك: "إنه لو لم يفعل على هذا الوجه، لكنه فعله امتثالاً أو لغيره من الوجوه، لم يوصف بأنه متأسٍّ به". وقالوا: "إن الاتفاق صدفة ليس تأسّياً".

والذي يظهر أن التأسّي يتحقق بفعل مثل ما فعله - صلى الله عليه وسلم - إن كان على الوجه الذي فعله مع نية الامتثال، أمّا أن ينوي أنه يفعل ذاك الشيء لأجل أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله فلا يتعيّن، فلو لم ينو ذلك، لكن نوى إخلاص العبادة لله، أو التقرب إليه، أو امتثال أحكامه، فإن عبادته صحيحة. وكذلك لو نوى التأسّي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. فكل هذه نيات صالحة يتأدّى بها المقصود ويصح بها العمل، ويثبت بها الأجر. ويحصل بها التأسّي. والله ولي التوفيق.

وأما قول عبد الجبار: أن من قصد الامتثال فقط لا يكون متأسّياً، فإنه قول فيه نظر، لأنه إن نوى الامتثال، وكان الحكم لم يعلم إلاّ من جهة فعله - صلى الله عليه وسلم -، فإن نية التأسّي متضمّنة، والمتضمّن في الحاصل حاصل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015