فهذا دليل على أن هذا الولد إنما بشر به بعد دعائه وسؤاله ربه أن يهب له ولدا، وهذا المبشر به هو المأمور بذبحه قطعا بنص القرآن.
وأما إسحق فإنما بشر به من غير دعوة منه، بل على كبر السن، وكون مثله لا يولد له، وإنما كانت البشارة به لامرأته سارة، ولهذا تعجبت من حصول الولد منها ومنه.
قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَما لَبِثَ أنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إٍلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً، قَالُوا لا تَحَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قائمة فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحقَ يَعْقوبِ، قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذَا بَعْلِى شَيْخاً؟ إنَّ هذَا لَشَئ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبينَ مِنْ أَمْرِ الله} [هود: 69-73] .
فتأمل سياق هذه البشارة وتلك، تجدهما بشارتين، متفاوتتين، مخرج إحداهما غير مخرج الأخرى.
والبشارة الأولى كانت له. والثانية كانت لها.
والبشارة الأولى هى التى أمر بذبح من بشر به فيها، دون الثانية.
السابع: أن إبراهيم عليه السلام لم يقدم بإسحاق إلى مكة البتة، ولم يفرق بينه وبين أمه. وكيف يأمره الله تعالى أن يذهب بابن امرأته، فيذبحه بموضع ضرتها فى بلدها، ويدع ابن ضرتها؟.
الثامن: أن الله تعالى لما اتخذ إبراهيم خليلا. والخلة تتضمن أن يكون قلبه كله متعلقا بربه، ليس فيه شعبة لغيره. فلما سأله الولد، وهبه إسماعيل. فتعلق به شعبة من قلبه. فأراد خليله سبحانه أن تكون تلك الشعبة له، ليست لغيره من الخلق. فامتحنه بذبح ولده. فلما أقدم على الامتثال. خلصت له تلك الخلة، وتمحضت لله وحده. فنسخ الأمر بالذبح، لحصول المقصود وهو العزم، وتوطين النفس على الامتثال.
ومن المعلوم: أن هذا إنما يكون فى أول الأولاد، لا فى آخرها. فلما حصل هذا المقصود من الولد الأول لم يحتج فى الولد الآخر إلى مثله. فإنه لو زاحمت محبة الولد الآخر الخلة لأمر بذبحه. كما أمر بذبح الأول. فلو كان المأمور بذبحه هو الولد الآخر لكان قد أقره فى الأول