"اذبح ولدك بكرك، ووحيدك إسحاق" زيادة منهم فى لفظ التوراة.
قلت: وهى باطلة قطعا من عشرة أوجه.
أحدها: أن بكره ووحيده هو إسماعيل باتفاق الملل الثلاث. فالجمع بين كونه مأمور بذبح بكره وتعيينه بإسحاق جمع بين النقيضين.
الثانى: أن الله سبحانه وتعالى أمر إبراهيم أن ينقل هاجر وابنها إسماعيل عن سارة، ويسكنها فى برية مكة، لئلا تغير سارة. فأمر بإبعاد السرية وولدها عنها، حفظا لقلبها، ودفعا لأذى الغيرة عنها. فكيف يأمر سبحانه وتعالى بعد هذا بذبح ابن سارة وإبقاء ابن السرية؟ فهذا مما لا تقتضيه الحكمة.
الثالث: أن قصة الذبح كانت بمكة قطعا، ولهذا جعل الله تعالى ذبح الهدايا والقرابين بمكة، تذكيرا للأمة بما كان من قصة أبيهم إبراهيم مع ولده.
الرابع: أن الله سبحانه بشر سارة أم إسحاق: {بِإِسْحقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71] . فبشرها بهما جمعيا، فكيف يأمر بعد ذلك بذبح إسحق، وقد بشر أبويه بولد ولده؟.
الخامس: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر قصة الذبيح وتسليمه نفسه لله تعالى، وإقدام إبراهيم على ذبحه، وفرغ من قصته، قال بعدها:
{وَبَشّرْنَاهُ بِإِسْحقَ نَبِيا مِنَ الصَّالحِينَ} [الصافات: 112] .
فشكر الله تعالى له استسلامه لأمره، وبذل ولده له، وجعل من إثابته على ذلك: أن آتاه إسحق. فنجى إسماعيل من الذبح، وزاده عليه إسحق.
السادس: أن إبراهيم - صلوات الله تعالى وسلامه عليه - سأل ربه الولد. فأجاب الله دعاءه، وبشره، فلما بلغ معه السعى أمره بذبحه. قال تعالى:
{وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصَّالحِينَ فَبَشّرْ نَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 99- 101] .