بلى العدو بالذنب فأصر واحتج وعارض الأمر، وقدح فى الحكمة، ولم يسأل الإقالة، ولا ندم على الزلة. وبلى الحبيب بالذنب فاعترف وتاب وندم، وتضرع واستكان وفزع إلى مفزع الخليقة، وهو التوحيد والاستغفار، فأزيل عنه العتب، وغفر له الذنب، وقبل منه المتاب، وفتح له من الرحمة والهداية كلٌّ باب، ونحن الأبناء، ومن أشبه أباه فما ظلم، ومن كانت شيمته التوبة والاستغفار فقد هدى لأحسن الشيم.

فصل

ثم كاد أحد ولدى آدم، ولم يزل يتلاعب به، حتى قتل أخاه، وأسخط أباه، وعصى مولاه، فسن للذرية قتل النفوس، وقد ثبت فى الصحيح عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال:

"مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْماً إِلا كانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ كِفلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ".

فكاد العدو هذا القاتل بقطيعة رحمه، وعقوق والديه، وإسخاط ربه، ونقص عدده، وظلم نفسه، وعرضه لأعظم العقاب، وحرمه حظه من جزيل الثواب.

فصل

[كيده بالناس من بعد آدم]

ثم جرى الأمر على السداد والاستقامة، والأمة واحدة، والدين واحد، والمعبود واحد. قال تعالى:

{وَمَا كانَ النّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِى بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخَتْلِفُونَ} [يونس: 19] وقال تعالى: {كَانَ النّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبْعثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213] .

قال سعيد عن قتادة "ذكر لنا: أنه كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015