والثانى: حال من عنده داع وإرادة لها، وعنده إيمان وتصديق بوعد الله تعالى ووعيده، فهو يخاف إن واقعها أن يقع فيما هو أكره إليه، وأشق عليه.

فالأول: النفوس المطمئنة إلى ربها. والثانى: لأهل الجهاد والصبر.

وهاتان النفسان هما المخصوصتان بالسعادة والفلاح.

قَال اللهُ تعَالَى فى النفس الأولى: {يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطمَئِنَّةُ ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَة مَرْضِيَّةً فَادْخُلِى فى عِبَادِى وَادْخُلِى جَنَّتِى} [الفجر: 27 - 30] .

وقال فى الثانية: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 110] .

فالنفوس ثلاثة: نفس مطمئنة إلى ربها. وهى أشرف النفوس وأزكاها. ونفس مجاهدة صابرة. ونفس مفتونة بالشهوات والهوى، وهى النفس الشقية، التى حظها الألم والعذاب، والبعد عن الله تعالى والحجاب.

فصل

فى بيان كيد الشيطان لنفسه، قبل كيده للأبوين. ثم لو يقتصر على ذلك، حتى كادّ ذرية نفسه، وذرية آدم. فكان مشئوما على نفسه وعلى ذريته وأوليائه وأهل طاعته من الجن والإنس.

أما كيده لنفسه:

فإن الله سبحانه لما أمره بالسجود لآدم عليه السلام، كان فى امتثال أمره وطاعته سعادته وفلاحه وعزه ونجاته. فسولت له نفسه الجاهلة الظالمة: أن فى سجوده لآدم عليه السلام غضاضة عليه، وهضما لنفسه، إذ يخضع ويقع ساجدا لمن خلق من طين، وهو مخلوق من نار. والنار - بزعمه - أشرف من الطين. فالمخلوق منها خير من المخلوق منه، وخضوع الأفضل لمن هو دونه غضاضة عليه، وهضم لمنزلته. فلما قام بقلبه هذا الهوس، وقارنه الحسد لآدم، لما رأى ربه سبحانه قد خصه به من أنواع الكرامة. فإنه خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، وميزه بذلك عن الملائكة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015