أى مبينة موجبة للتبصر. وفعل الإبصار يستعمل لازما ومتعديا. يقال: أبصرته، بمعنى أريته، وأبصرته، بمعنى رأيته، فمبصرة فى الآية: بمعنى مرئية، لا بمعنى رائية، والذين ظنوها بمعنى رائية غلطوا فى الآية، وتحيروا فى معناها.
فإنه يقال: بصر به، وأبصره، فيعدى بالباء تارة، والهمزة تارة. ثم يقال: أبصرته كذا، أى أريته إياه، كما يقال: بصرته به. وبصر هو به.
فهاهنا بصيرة، وتبصرة، ومبصرة. فالبصيرة: المبينة التى تبصر، والتبصرة مصدر مثل التذكرة، وسمى بها ما يوجب التبصرة، فيقال: هذه الآية تبصرة، لكونها آلة التبصر، وموجبه.
فالقرآن بصيرة وتبصرة، وهدى وشفاء، ورحمة، بمعنى عام، وبمعنى خاص. ولهذا يذكر الله سبحانه هذا وهذا، فهو هدى للعالمين، وموعظة للمتقين، وهدى للمتقين، وشفاء للعالمين، وشفاء للمؤمنين، وموعظة للعالمين، وموعظة للمتقين، فهو فى نفسه هدى ورحمة، وشفاء وموعظة.
فمن اهتدى به واتعظ واشتفى، كان بمنزلة من استعمل الدواء الذى يحصل به الشفاء فهو دواء له بالفعل. وإن لم يستعمله، فهو دواء له بالقوة، وكذلك الهدى.
فالقرآن هدى بالفعل لمن اهتدى به، وبالقوة لمن يهتد به، فإنما يهتدى به ويرحم ويتعظ المتقون الموقنون.
والهدى فى الأصل: مصدر هدى يهدى هدى.
فمن لم يعمل بعلمه لم يكن مهتديا، كما فى الأثر "من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله تعالى إلا بعدا" ولكن يسمى هدى، لأن من شأنه أن يهدى.
وهذا أحسن من قول من قال: إنه هدى، بمعنى هاد، فهو مصدر بمعنى الفاعل، كعدل بمعنى العادل، وزور بمعنى الزائر، ورجل صوم أى بمعنى صائم، فإن الله سبحانه قد أخبر أنه يهدى به.
فالله الهادى، وكتابه الهدى الذى يهدى به على لسان رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
فهاهنا ثلاثة أشياء: فاعل وقابل وآله. فالفاعل: هو الله تعالى، والقابل: قلب