الموصلة إليها، فضلا عن أن يسعى فيها بجهده، والمؤمن بالجنة حقيقة الإيمان لا تطاوعه نفسه أن يقعد عن طلبها، وهذا أمر يجده الإنسان فى نفسه فيما يسعى فيه فى الدنيا من المنافع، أو التخلص منه من المضار.

فصل

إذا تبين هذا، فالعبد أحوج شئ إلى معرفة ما يضره ليجتنبه، وما ينفعه ليحرص عليه ويفعله، فيحب النافع: ويبغض الضار، فتكون محبته وكراهته موافقتين لمحبة الله تعالى وكراهته، وهذا من لوازم العبودية والمحبة، ومتى خرج عن ذلك أحب ما يسخطه ربه وكره ما يحبه، فنقصت عبوديته بحسب ذلك.

وهاهنا طريقان: العقل، والشرع. أما العقل، فقد وضع الله سبحانه فى العقول والفطر استحسان الصدق والعدل، والإحسان، والبر، والعفة، والشجاعة، ومكارم الأخلاق، وأداء الأمانات، وصلة الأرحام، ونصيحة الخلق، والوفاء بالعهد، وحفظ الجوار، ونصر المظلوم، والإعانة على نوائب الحق، وقرى الضيف، وحمل الكل، ونحو ذلك. ووضع فى العقول والفطر استقباح أضداد ذلك، ونسبة هذا الاستحسان والاستقباح إلى العقول والفطر كنسبة استحسان شرب الماء البارد عند الظمأ، وأكل الطعام اللذيذ النافع عند الجوع، ولبس ما يدفئه عند البرد، فكما لا يمكنه أن يدفع عن نفسه وطبعه استحسان ذلك ونفعه. فكذلك لا يدفع عن نفسه وفطرته استحسان صفات الكمال ونفعها، واستقباح أضدادها، ومن قال: إن ذلك لا يعلم بالعقل، ولا بالفطرة، وإنما عرف بمجرد السمع، فقوله باطل، قد بينا بطلانه فى كتاب المفتاح من ستين وجها وبينا هناك دلالة القرآن والسنة والعقول والفطر على فساد هذا القول.

والطريق الثانى لمعرفة الضار والنافع من الأعمال: السمع. وهو أوسع وأبين وأصدق من الطريق الأول، لخفاء صفات الأفعال وأحوالها ونتائجها، وأن العالم بذلك على التفصيل ليس هو إلا الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

فأعلم الناس وأصحهم عقلا ورأيا واستحسانا من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015