والمقصود: أن الله سبحانه وكل بالعالم العلوى والسفلى ملائكة، فهى تدبر أمر العالم بإذنه ومشيئته وأمره، فلهذا يضيف التدبير إلى الملائكة تارة، لكونهم هم المباشرين للتدبير، كقوله:
{فَالمُدَبِّراتِ أَمْراً} [النازعات: 5] .
ويضيف التدبير إليه كقوله: {إِنَّ رَبَّكُم اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأرْضَ فِى سِتَّةِ أيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ} [يونس: 3] قوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَى مِنَ المَيِّتِ وَيخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحَى وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ، فَسَيَقُولُونَ الله} [يونس: 31] . فهو المدبر أمراً وإذناً ومشيئةً، والملائكة المدبرات مباشرة وامتثالاً.
وهذا كما أضاف التوفى إليهم تارة، كقوله تعالى: {تَوَفّتْهُ رُسُلنَا} [الأنعام: 61] .
وإليه تارة، كقوله: {اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفسَ} [الزمر: 42] ونظائره.
والملائكة الموكلة بالإنسان من حين كونه نطفة إلى آخر أمره لهم وله شأن آخر فإنهم موكلون بتخليقه، ونقله من طور إلى طور، وتصويره، وحفظه فى أطباق الظلمات الثلاث، وكتابة رزقه، وعمله، وأجله، وشقاوته، وسعادته، وملازمته فى جميع أحواله، وإحصاء أقواله وأفعاله، وحفظه فى حياته، وقبض روحه عند وفاته، وعرضها على خالقه وفاطره. وهم الموكلون بعذابه ونعيمه فى البرزخ، وبعد البعث. وهم الموكلون بعمل آلات النعيم والعذاب. وهم المثبتون للعبد المؤمن بإذن الله، والمعلمون له ما ينفعه، والمقاتلون الذابون عنه، وهم أولياؤه فى الدنيا والآخرة، وهم الذين يرونه فى منامه ما يخافه ليحذره، وما يحبه ليقوى قلبه، ويزداد شكرا، وهم الذين يعدونه بالخير ويدعونه إليه، وينهونه عن الشر، ويحذرونه منه.
فهم أولياؤه وأنصاره، وحفظته، ومعلموه، وناصحوه، والداعون له، والمستغفرون له، وهم الذين يصلون عليه مادام فى طاعة ربه، ويصلون عليه مادام يعلم الناس الخير، ويبشرونه بكرامة الله تعالى فى منامه، وعند موته، ويوم بعثه. وهم الذين يزهدونه فى الدنيا، ويرغبونه فى الآخرة. وهم الذين يذكرونه إذا نسى. وينشطونه إذا كسل، ويثبتونه إذا جزع. وهم الذين يسعون فى مصالح دنياه وآخرته.