وإذا علم أن هذا المكروه يفضى إلى ما يحبه يصير محبوبا له، وإن كان يكرهه. فهو يحبه من وجه، ويكرهه من وجه، وكذلك إذا علم أن هذا المحبوب يفضى إلى ما يكرهه يصير مكروها له، وإن كان يحبه. فهو يكرهه من وجه، ويحبه من وجه.
فلا يترك الحى ما يحبه ويهواه مع قدرته إلا لما يحبه ويهواه. ولا يرتكب ما يكرهه ويخشاه إلا حذار وقوعه فيما يكرهه ويخشاه، لكن خاصية العقل أن يترك أدنى المحبوبين وأقلهما نفعا لأعلاهما وأعظمهما نفعا، ويرتكب أدنى المكروهين ضررا ليتخلص به من أشدهما ضررا.
فتبين بذلك أن المحبة والإرادة أصل للبغض والكراهة، وعلة لهما، من غير عكس فكل بغض فهو لمنافاة البغيض للمحبوب. ولولا وجود المحبوب لم يكن البغض، بخلاف الحب للشيء. فإنه قد يكون لنفسه، لا لأجل منافاته للبغيض. وبغض الإنسان لما يضاد محبوبه مستلزم لمحبته لضده. وكلما كان الحب أقوى كانت قوة البغض للمنافى أشد.
ولِهذا كان "أوْثَقُ عُرَى الإيَمانِ الْحُبُّ فى اللهِ وَالْبُغْضُ فى اللهِ"، وكان "مَنْ أحَبَّ للهِ، وَأبْغَضَ للهِ، وَأعْطَى للهِ، وَمَنَعَ للهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإيَمانَ".
فإن الإيمان علم وعمل، والعمل ثمرة العلم، وهو نوعان: عمل القلب حبا وبغضا، ويترتب عليهما عمل الجوارح، فعلا، وتركا، وهما العطاء والمنع.
فإذا كانت هذه الأصول الأربعة لله تعالى، كان صاحبها مستكمل الإيمان، وما نقص منها فكان لغير الله، نقص من إيمانه بحسبه.