بها درجة عبده، كما قال سبحانه فى قصة إبراهيم عليه السلام، ومناظرته قومه، وكسر حجتهم:

{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبراهيم عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: 83] .

وعلى هذا فيكون من الكيد ما هو مشروع، ولكن ليس هو الكيد الذى تستحل به المحرمات، وتسقط به الواجبات، فإن هذا كيد لله تعالى ودينه، فالله سبحانه ودينه هو المكيد فى هذا القسم، فمحال أن يشرع الله سبحانه هذا النوع من الكيد.

وأيضا، فإن هذا الكيد لا يتم إلا بفعل يقصد به غير مقصوده الشرعى، ومحال أن يشرع الله تعالى لعبد أن يقصد بفعله ما لم يشرع الله ذلك الفعل له.

وأيضا، فإن الأمر المشروع هو عام لا يختص به شخص دون شخص، فالشيء إذا كان مباحاً لشخص كان مباح لكل من كان حاله مثل حاله، فمن احتال بحيلة فقهية محرمة أو مباحة لم يكن له اختصاص بتلك الحيلة عمن لا يفهمها ولا يعلمها، وإنما خاصية الفقيه، إذا حدثت به حادثة: أن يتفطن لاندراجها تحت الحكم العام الذى يعلمه هو وغيره والله سبحانه إنما كاد ليوسف عليه السلام كيدا خاصاً به، جزاء له على صبره، وإحسانه، وذكره فى معرض المنة عليه، وهذه الأفعال التى فعلها يوسف عليه السلام والأفعال التى فعلها الله سبحانه له إذا تأملها اللبيب رآها لا تخرج عن نوعين:

أحدهما: إلهام الله سبحانه له فعلا كان مباحا له أن يفعله.

الثانى: فعل من الله تعالى به خارج عن مقدور العبد.

وكلا النوعين مباين للحيل المحرمة التى يحتال بها على إسقاط الواجبات وإباحة المحرمات.

فصل

لعلك تقول: قد أطلت الكلام فى هذا الفصل جدا، وقد كان يكفى الإشارة إليه.

فيقال: بل الأمر أعظم مما ذكرنا، وهو بالإطالة أجدر. فإن بلاء الإسلام ومحنته عظمت من هاتين الطائفتين: أهل المكر والمخادعة، والاحتيال فى العمليات، وأهل التحريف والسفسطة والقرمطة فى العلميات. وكل فساد فى الدين - بل والدنيا - فمنشؤه من هاتين الطائفتين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015