ومنعاً يستفاد من مواضع أخر، فغاية هذا اللفظ: أن يكون قد سكت عنها فقد علم تحريمها من الأدلة الدالة على تحريم العينة.

الوجه الثالث: أن قوله: "بع الجمع بالدراهم" إنما يفهم منه البيع المقصود، الخالى عن شرط يمنع كونه مقصودا، بخلاف البيع الذى لا يقصد، فإنه لو قال: بع هذا الثوب، أو بعت هذا الثوب، لم يفهم منه بيع المكره، ولا بيع الهازل، ولا بيع التلجئة، وإنما يفهم منه البيع الذى يقصد به نقل ذلك العوض. وقد تقدم تقرير هذا.

يوضحه: أن مثل هذين قد يتراوضان أولا على بيع التمر بالتمر متفاضلاً، ثم يجعلان الدراهم محللاً غير مقصودة. والمقصود إنما هو بيع صاع بصاعين، ومعلوم أن الشارع لا يأذن فى مثل هذا، فضلاً عن أن يأمر به ويرشد إليه.

الوجه الرابع: إن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. "نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنَ فى بَيعَةٍ".

ومتى تواطآ على أن يبيعه بالثمن، ثم يبتاع منه، فهو بيعتان فى بيعة، فلا يكون داخلاً فى الحديث، إذ المنهى عنه لا يتناوله المأذون فيه.

يبين ذلك الوجه الخامس: وهو أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "بع الجمع ثم ابتع بالدراهم جنيبا" وهذا يقتضى بيعاً ينشئه ويبتدئه، بعد انقضاء البيع الأول، ومتى واطأه من أول الأمر على أن أبيعك وأبتاع منك، فقد اتفقا على العقدين معاً، فلا يكون داخلاً فى حديث الإذن، بل فى حديث النهى.

الوجه السادس: أنه لو فرض أن فى الحديث عموماً لفظيا، فهو مخصوص بصور لا تعد. فإن كل بيع فاسد فهو غير داخل فيه، فتضعف دلالته، وتخص منه الصورة التى ذكرناها بالأدلة، التى هى نصوص، أو كالنصوص، فإخراجها من العموم من أسهل الأشياء، وبالله التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015