قيل: قد جعل الله له مخرجاً بالكفارة، ويجب عليه أن يكفر عن يمينه، ولا يعصى الله بالبر فى يمينه هاهنا، ولا يحل له أن يبر فيها، بل بره فيها هو حنثه مع الكفارة، ولا يحل له أن يضربها، لا مفرقاً ولا مجموعاً.

فإن قيل: فإذا كان الضرب واجبا. كالحد، هل تقولون: ينفعه ذلك؟

قيل: إما أن يكون العذر مرجو الزوال، كالحر والبرد الشديد، والمرض اليسير، فهذا ينتظر زواله، ثم يحد الحد الواجب، كما روى مسلم فى صحيحه عن على رضى الله عنه:

"أَنَّ أَمَةً لرَسولِ الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلَم زَنَتْ، فأَمَرَنِى أَنْ أَجْلِدَهَا، فَأَتَيْتُهَا، فَإٍذَا هِى حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ، فَخَشِيتُ إن جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا، فَذَكَرْتُ ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى اللهُ تعالى عليه وآله وسلَم، فَقَالَ: أَحْسَنْتَ، اُتْرُكْهَا حَتَّى تَماثَلَ".

فصل

وأما حديث بلال فى شأن التمر، وقول النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم له: "بِعَ التَّمرَ بِالدَّرَاهمِ، ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيباً".

فقال شيخنا: ليس فيه دلالة على الاحتيال بالعقود التى ليست مقصودة لوجوه:

أحدها: أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أمره أن يبيع سلعته الأولى، ثم يبتاع بثمنها سلعة أخرى ومعلوم أن ذلك إنما يقتضى البيع الصحيح، ومتى وجد البيعان على الوجه الصحيح جاز ذلك بلا ريب، ونحن نقول: كل بيع صحيح يفيد الملك، لكن الشأن فى بيوع قد دلت السنة وأقوال الصحابة على أن ظاهرها، وإن كان بيعاً، فإنها ربا وهى بيع فاسد، ومعلوم أن مثل هذا لا يدخل فى الحديث، ولو اختلف رجلان فى بيع مثل هذا، هل هو صحيح، أو فاسد؟ وأراد أحدهما إدخاله فى هذا اللفظ، لم يمكنه ذلك، حتى يثبت أنه بيع صحيح، ومتى أثبت أنه بيع صحيح، لم يحتج إلى الاستدلال بهذا الحديث.

فتبين أنه لا حجة فيه على صورة من صور النزاع البتة.

قلت: ونظير ذلك أن يحتج به محتج على جواز بيع الغائب، أو على البيع بشرط الخيار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015