ذلك كله منه، ويحبس على الباقى، ويجعل دينا مستقراً فى ذمته، تطالبه به متى شاءت. وهى تعلم كذب دعواها، ووليها يعلم ذلك، وجيرانها والله وملائكته، والذى يساعدها ويخاصم عنها.
ولما علم فقهاء العراق، كأبى حنيفة وأصحابه، ما فى ذلك من الشر والفساد، والضرر الذى لا تأتى به شريعة. أسقطوا النفقة والكسوة عن الزوج بمضى الزمان. فلم يسمعوا دعوى المرأة بذلك. كما يقوله منازعوهم فى نفقة القريب، فنفسوا الخناق عن الأزواج بهذا القول، وأشموهم رائحة الحياة، ونفسوا عنهم بعض الكرب.
ولقد أقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعد أن أرسله الله تعالى إلى الناس ثلاث عشرة سنة بمكة، وعشراً بالمدينة، فما ألزم زوجاً قط بنفقة وكسوة ماضية، ولا ادعتها عنده امرأة. وكذلك خلفاؤه الراشدون من بعده، وكذلك عصر الصحابة جميعهم، وعصر التابعين، ولا حبس على عهده وعهد أصحابه وتابعيهم رجل واحد على ذلك. ولا على صداق امرأته، مع صيانة نسائهم، ولزومهن بيوتهن، وعدم تبرجهن وتزينهن وخروجهن فى الأسواق والطرقات. والأزواج فى الحبوس، وهن مسيبات يخرجن ويذهبن حيث أردن. فوالله لو رأى هذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لشق عليه غاية المشقة ولعظم عليه وعز عليه، ولكان إلى دفعه وإنكاره أسرع منه إلى غيره. وبالجملة فالدعوى، إذا كانت مما تردها العادة والعرف والظاهر لم يجز سماعها.
ومن هاهنا قال أصحاب مالك: إذا كان رجل حائزاً لدار، متصرفا فيها مدة السنين الطويلة، بالبناء والهدم، والإجارة والعمارة وينسبها إلى نفسه، ويضيفها إلى ملكه، وإنسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة، وهو مع ذلك لا يعارضه فيها، ولا يذكر أن له فيها حقاً ولا مانع يمنعه من مطالبته: من خوف سلطان، أو نحو ذلك من الضرر المانع من المطالبة بالحقوق، ولا بينه وبين المتصرف فى الدار قرابة، ولا شركة فى ميراث، وما أشبه ذلك مما يتسامح به القرابات وذوو الصهر بينهم فى إضافة أحدهم أموال الشركة إلى نفسه، بل كان عريّاً عن ذلك كله، ثم جاء بعد طول هذه المدة