فرفع إلى الحاكم وشهد عليه أنه مبذر، فخاف أن يحجر عليه. فقال: إن حجرت على فعبيدى أحرار، ومالى صدقة على المساكين لم يملك القاضى أن يحجر عليه بعد ذلك، لأنه إنما يحجر عليه صيانة لماله، وفى الحجر عليه إتلاف ماله، فهو يعود على مقصود الحجر بالإبطال.

المثال الرابع والأربعون: يصح الصلح عندنا، وعند أبى حنيفة، ومالك، على الإنكار، فإذا ادعى عليه شيئاً فأنكره ثم صالحه على بعضه جاز. والشافعى لا يصحح هذا الصلح، لأنه لم يثبت عنده شئ، فبأى طريق يأخذ ما صالحه عليه؟ بخلاف الصلح على الإقرار، فإنه إذا أقر له بالدين والعين، فصالحه على بعضه، كان قد وهبه، أو أبرأه من البعض الآخر.

والجمهور يقولون: قد دل الكتاب والسنة والقياس على صحة هذا الصلح، فإن الله سبحانه وتعالى ندب إلى الإصلاح بين الناس. وأخبر أن الصلح خير وقال: {إِنَّمَا الُمْؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكمْ} [الحجرات: 10] .

وقال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "الصُّلْحُ بَيْنَ الُمْسْلِمينَ جَائزٌ، إِلا صُلْحاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلالاً".

وأما القياس: فإن المدعى عليه يفتدى مطالبته باليمين وإقامة البينة، وتوابع ذلك: بشيء من ماله يبذله، ليتخلص من الدعوى ولوازمها. وذلك غرض صحيح، مقصود عند العقلاء. وغاية ما يُقَدَّر أن يكون المدعى كاذباً، فهو يتخلص من تحليفه له، وتعريضه للنكول، فيقضى عليه به، أو ترد اليمين، بل عند الخِرَقى: لا يصح الصلح إلا على الإنكار، ولا يصح مع الإقرار، قال: لأنه يكون هضما للحق.

فإذا صالحه مع الإنكار، فخاف أن يرفعه إلى حاكم يبطل الصلح، فالحيلة فى تخلصه من ذلك: أن يصالح أجنبى عن المنكر على مال، ويقر الأجنبى لهذا المدعى بما ادعاه على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015