وإذا عُرف هذا فالقلب محتاج إلى ما يحفظ عليه قوَّته، وهو الإيمان وأوراد الطاعات؛ وإلى حِمية عن المؤذى الضارِّ، وذلك باجتناب الآثام والمعاصي وأنواع المخالفات؛ وإلى استفراغه من مادة فاسدة تعرض له، وذلك بالتوبة النصوح، واستغفار غافر الخطيئات.
ومرضه هو نوع فساد يحصل له، يفسد به تصوره للحق وإرادته له، فلا يرى الحق حقًّا، أو يراه على خلاف ما هو عليه، أو ينقصُ إدراكه له، ويفسد به إرادته له، فيبغض الحق النافع، أو يحب الباطل الضارَّ، أو يجتمعان له وهو الغالب، ولهذا يُفسَّر المرض الذي يعرض له؛ تارةً بالشك والريب، كما قال مجاهد (?) وقتادة (?) في قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: 10]. أي شك، وتارةً بشهوة الزِّنى، كما فُسر به قوله تعالى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32]، فالأول مرض الشبهة، والثاني مرض الشهوة.
والصحة تحُفَظ بالمثْل والشَّبه، والمرض يُدفع بالضد والخلاف، وهو يقوى بمثل سببه، ويزول بضده، والصحة تحُفَظ بمثل سببها، وتضعف أو تزول بضده.
ولما كان البدن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح من يسير الحر والبرد والحركة ونحو ذلك، فكذلك القلب إذا كان فيه مرضٌ؛ آذاه أدنى [5 ب] شيء من الشبهة أو الشهوة، حيث لا يقدر على دفعهما (?) إذا وردا عليه، والقلب الصحيح القوي يطرقه أضعاف ذلك، وهو يدفعه بقوَّته وصحته.