فالأول إما نقص في المادة؛ فيحتاج إلى زيادتها، وإما زيادة فيها؛ فيحتاج إلى نقصانها.
والثاني إما بزيادة الحرارة، أو البرودة، أو الرطوبة، أو اليبوسة أو نقصانها عن القدر الطبيعي، فيداوى بمقتضى ذلك.
ومدار الصحة على حفظ القوة، والحِمْية عن المؤذي، واستفراغ المواد الفاسدة؛ ونظر الطبيب دائر على هذه الأصول الثلاثة، وقد تضمنها الكتاب العزيز، وأرشد إليها مَنْ أنزله شفاءً ورحمةً.
فأما حفظُ القوة: فإنه سبحانه أمر المسافر والمريض أن يفطرا في رمضان، ويقضي المسافر إذا قدم، والمريض إذا بَرِئ؛ حفظًا لقوتهما عليهما؛ فإن الصوم يزيد المريض ضعفًا، والمسافر محتاج إلى توفير قوَّته عليه لمشقة السفر، والصوم يضعفها.
وأما الحِمية عن المؤذى: فإنه سبحانه حمى المريضَ عن استعمال الماء البارد في الوضوء والغسل إذا كان يضره، وأمره بالعدول إلى التيمم؛ حِميةً له عن ورود المؤذي عليه من ظاهر بدنه، فكيف بالمؤذي له من باطنه؟!
وأما استفراغ المادة الفاسدة: فإنه - سبحانه - أباح للمُحْرِم الذي به أذى من رأسه أن يحلقه، فيستفرغ بالحَلْقِ الأبخرةَ المؤذية له، وهذا من أسهل أنواع الاستفراغ وأخفها، فنبَّه به على ما هو أحوج إليه منه.
وذاكرتُ مرةً بعض رؤساء الطب بمصر بهذا، فقال: والله لو سافرتُ إلى المغرب في معرفة هذه الفائدة؛ لكان سفرًا قليلًا أو كما قال.