والبصر، والجوارح، نعمةً منه وتفضُّلًا؛ فمن استعمل ذلك في طاعته، وسلك به طريقَ معرفته على ما أرشد إليه ولم يَبْغِ عنه عُدولًا، فقد قام بشكر ما أُوتيَه من ذلك، وسلك به إلى مرضاة الله سبيلًا، ومن استعمله في إرادته وشهواته ولم يَرْعَ حق خالقه فيه، تحسَّر (?) إذا سُئل عن ذلك، وحزن حزنًا طويلًا؛ فإنه لا بدَّ من الحساب على حق هذه الأعضاء؛ لقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
ولما كان القلب لهذه الأعضاء كالملك المتصرف في الجنود، الذي تَصدُر كلُّها عن أمره، ويستعملها فيما شاء، فكلها تحت عبوديته وقهره، وتكتسب منه الإقامة والزيغ، وتتَّبعه فيما يعقده من العزم أو يحُلّه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إن في الجسد مُضْغَة؛ إذا صَلَحَتْ صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله" (?)، فهو مَلِكها، وهي المنفِّذة (?) لما يأمرها به، القابلة لما يأتيها (?) من هديته، ولا يستقيم لها شيء من أعمالها حتى تصدُر عن قصده ونيته، وهو المسؤول عنها كلها؛ لأنَّ كل راعٍ مسؤولٌ عن رعيته (?) = كان (?) الاهتمام بتصحيحه وتسديده أولى ما اعتمد عليه السالكون، والنظرُ في