الوجه الثاني: أن هذا المجهول هو من التابعين، من أبناء مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن الكذب مشهورًا فيهم، والقصة معروفة محفوظة، وقد تابعه عليها داود بن الحُصين وهذا يدل على أنه حفظها.
الوجه الثالث: أن روايته لم يُعتمد عليها وحدها، فقد ذكرنا رواية داود بن الحصين، وحديث أبي الصهباء، فهَبْ أن وجود روايته وعدمها سواء؛ ففي حديث داود كفاية، وقد زالت تُهمة تَدْليس ابن إسحاق بقوله: حدثني.
وقد احتجَّ الأئمة بهذا السند بعينه في حديث تقدير العرايا بخمسة أوسُق أو دونها (?)، وأخذوا به وعملوا بموجَبه، مع مخالفة عمومات الأحاديث الصحيحة في مَنع بيع الرُّطب بالتّمر (?) له.
والقول بهذه الأحاديث موافق لظاهر القرآن، ولأقوال الصحابة، وللقياس، ومصالح بني آدم:
أما ظاهر القرآن: فإن الله سبحانه شرع الرّجْعة في كل طلاق إلا طلاق غير المدخول بها والمطلقة طلقة ثالثة بعد الأُولَيَيْن، وليس في القرآن طلاقٌ بائن قط إلا في هذين الموضعين، وأحدهما بائن غير مُحرِّم، والثاني بائن محرِّم، وقال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}، والمرتان ما كان مرة بعد مرة، كما تقدم.