فصل
وأضرّ ما عليه: الإهمالُ، وتركُ المحاسبة، والاسترسالُ، وتسهيلُ الأمور، وتمشيتُها؛ فإن هذا يؤول به إلي الهلاك، وهذه حال أهل الغرور: يُغمِض عينيه عن العواقب، ويُمشِّي الحال، ويتكل على العفو؛ فيهمل (?) محاسبة نفسه والنظر في العاقبة، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب، وأنِس بها، وعَسُر عليه فطامها، ولو حضره رشده لعلم أن الحِمْية أسهل من الفطام وتركِ المألوف والمعتاد.
قال ابن أبي الدنيا: حدثني رجل من قريش ذكر أنه من ولد طلحة بن عبيد الله، قال: كان توبة بن الصمَّة بالرقة، وكان محاسباً لنفسه، فحسب يوماً، فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها، فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمس مائة يوم، فصرخ، وقال: يا ويلتا! ألقى ربي بأحد وعشرين ألف ذنب؟ كيف وفي كل يوم آلاف من الذنوب؟ ثمَّ خرَّ مغشيَّاً عليه، فإذا هو ميت، فسمعوا قائلاً يقول: "يا لكِ ركضةً إلي الفردوس الأعلى" (?).
وجِمَاع ذلك: أن يحاسب نفسه أولاً على الفرائض، فإن تذكَّر فيها نقصاً تداركه، إما بقضاء أو إصلاح، ثمَّ يحاسبها على المناهي؛ فإن عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية، ثم يحاسب نفسه على الغفلة، فإن كان قد غفل عما خُلِق له تداركه بالذِّكْر والإقبال على الله، ثمَّ يحاسبها بما تكلم به، أو مشت إليه رجلاه، أو بطشته يداه، أو سمعته أذناه: ماذا