العقل بحيث لا يفهم ما يقول بالكلية ولا هو حاضر العقل بحيث يكون قصده معتبرا فهذا لا يقع به الطلاق أيضا كما لا يقع بالمبرسم والمجنون يوضحه
"الوجه الرابع عشر" ان المجنون والمبرسم والموسوس والهاجر قد يشعر احدهم بما قاله ويستحي منه وكذلك السكران ولهذا لم يشترط اكثر الفقهاء في كونه سكران ان يعدم تمييزه بالكلية بل قد قال الإمام احمد وغيره: انه الذي يخلط في كلامه ولا يعرف رداءه من رداء غيره وفعله من فعل غيره. والسنة الصريحة الصحيحة تدل عليه فان النبي صلى الله عليه وسلم امر ان يستنكه من اقر بالزنا مع انه حاضر العقل والذهن يتكلم بكلام مفهوم ومنتظم صحيح الحركة ومع هذا فجوز النبي صلى الله عليه وسلم ان يكون به سكر يحول بينه وبين كمال عقله وعلمه فامر باستنكاهه والمقصود ان هؤلاء ليسوا مسلوبي التمييز بالكلية وليسوا كالعقلاء الذين لهم قصد صحيح فان ما عرض لهم أوجب تغير العقل الذي منع صحة القصد فلم يبق احدهم يقصد قصد العقلاء الذي مراده جلب ما ينفع ودفع ما يضر فلم يتصور احدهم لوازم ما تكلم به ولا غاب عقله عن الشعورية بل هو ناقص التصور ضعيف القصد والغضبان في حال غضبه قد يكون اسوا حالا من هؤلاء وأشبه بالمجانين ولهذا يقول ويفعل مالا يقوله المجنون ولا يفعله "فإن قيل" فهل يحجر عليه في هذه الحال كما يحجر على المجنون "قيل" لا والفرق بينهما ان هذه الحالة لا تدوم فهو كالذي يجن أحيانا نادرا ثم يفيق فانه لا يحجر عليه نعم لو صدر منه تلك الحال قول عن غير قصد منه كان مثل القول الصادر عن المجنون في عدم ترتب أثره عليه ولا ريب انه قد يحصل للغضبان اغماء وغشي وهو في هذه الحالة غير مكلف قطعا كما يحصل ذلك للمريض فيزيل تكليفه حال الاغماء حتى ان بعض الفقهاء لا يوجب عليه قضاء الصلاة في هذه الحالة إلحاقا بالمجنون كما يقوله الشافعي واحمد يوجب عليه القضاء إلحاقا له بالنائم.