فعل ما يحبه الشيطان وعلى التكلم به وما يضاف إلى الشيطان مما يكره العبد ولا يحبه فلا يؤاخذ به الإنسان كالوسوسة والنسيان كما قال فتى موسى لموسى {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} فالله تعالى لا يؤاخذ بالوسوسة ولا بالنسيان اذ هما من اثر فعل الشيطان في القلب وقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان الغضب من الشيطان" فيكون اثره مضافا اليه أيضا فلا يؤاخذ به العبد كأثر النسيان فإنه لو حلف ان لا يتكلم بكذا فتكلم به ناسيا لم يحنث لعدم قصده وإرادته لمخالفة ما عقد يمينه عليه وان كان قاصدا للكلام فانه لم يقع منه الا بقصده وإرادته وهذه حال الغضبان فانه لم يقصد حقيقة ما تكلم به وموجبه بل جرى على لسانه كما جرى كلام الناسي على لسانه بل قصد الناسي للتكلم اظهر من قصد الغضبان ولهذا يقول الناسي: قصدت ان أقول كذا وكذا والغضبان يحلف انه لم يقصد
"الوجه التاسع": إن المقصود في العقود معتبرة في عقدها كلها والغضبان ليس له قصد معتبر في حل عقدة النكاح كما ليس له قصد في قتل نفسه وولده واتلاف ماله فانه يفعل في الغضب هذا ويقول: هذا فإذا لم يكن له قصد معتبر لم يصح طلاقه "فإن قيل": هذا ينقص عليكم بالهازل فانه يصح طلاقه وان لم يكن له فيه قصد "قيل": الفرق بينهما: ان الهازل قصد التكلم باللفظ وأراده رضا واختيار منه لم يحمل على التلفظ به وغايته ان لم يرد حكمة وموجبه وذلك إلى الشارع ليس إيه فالسبب الذي اليه قد اتى به اختيارا وقصدا مع علمه به لم يحمل عليه والسبب إلى المشرع ليس اليه فلا يصح اعتبار احدهما بالآخر وكيف يقاس الغضبان على المتخذ آيات الله هزؤا وهذا من افسد القياس ?