فإن قيل: فليس عجز كل الانس عن مثله موجبا لإضافته إلى الله تعالى لجواز أن تكون الشياطين أعانت عليه حتى خرج عن مقدور الإنس كما أعانت سليمان على ما عجز عنه الإنس فعنه أجوبة:
أحدها: أن هذا يتوجه على موسى في فلق البحر وعلى عيسى في إحياء الموتى، ويقدح في جميع النبوّات فلم يجز لمن أثبتها أن يخص به بعض المعجزات.
والجواب الثاني: أن الشياطين لم يعرفوا إلّا من الرسل ولولاهم لما علم الناس أن في الدنيا شيطانا ولا جنا ولا جانا وقد جهل الرسل بلعنهم ودعوا إلى معصيتهم ولو كانوا أعوانا لدعوا إلى طاعتهم وموالاتهم لأن معونة من أطيع وولي أحق من معونة من عصى وعودي.
والجواب الثالث: أن الشياطين لا يقدرون على ذلك إلّا بمعونة الله تعالى لهم وهو لا يعين كاذبا عليه فإن كان عن أمره كان معجزا لأنه من فعله، وعلى هذا كان تسخير سليمان للجن والله تعالى غني عن الشياطين أن يكونوا سفراء إلى رسله وأعوانا لأنبيائه وهم ينهون عن طاعته ويدعون إلى معصية هذا القرآن وقد تحدى به الجن كما تحدى به الإنس بقوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (?) ، وحكى عنهم عجزهم عنه بقوله تعالى: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ (?) .
فإذا تقررت هذه الجملة في إعجاز القرآن فبإعجازه يعلم أنه من غير كلام البشر ولا يعلم أنه من عند الله تعالى إلّا بقول الرسول، فلو أراد الرسول أن يقول مثله لم يقدر عليه لأنه من البشر إلّا أن يمده الله تعالى بعون منه فيصير قادرا