بأن يزيدها بصيرة أولى أن ينقصها ولو كان لهذة العلة لجحده من كفر كما اعترف به من آمن وقول الجميع فيه سواء.
والوجه الثاني عشر: من إعجازه، أنه منقول بألفاظ منزّلة ومعان مستودعة وبلغه الملك بلفظه وعلى نظمه وأداه الرسول إلى الأمة بمثله فلم ينخرم فيه لفظ ولا اختل فيه معنى ولا تغير له ترتيب حتى صار من الزلل مضبوطا ومن التبديل محفوظا تستمر به الأعصار على شاكلته وتتداوله الألسن مع اختلاف اللغات على نظمه وصفته لا يختل بتعاقب الأزمنة ولا يختل بتباعد الأمكنة ولا يتغير باختلاف الألسنة، وغيره من الكتب مقصورة على حفظ معانيها وإن غويرت ألفاظها فإن التوراة ألقى الله تعالى معانيها إلى موسى عليه السلام فذكرها بلفظه وعبر عنها بكلامه.
وأما الإنجيل فهو ما أخبر به عيسى عليه السلام عن ربه وعن نفسه فجمعه تلامذته بألفاظهم وجعلوه كتابا متلوا.
وأما الزبور فأدعية بتحاميد وتسابيح تنسب إلى داود عن لفظه، ولئن كانت معاني هذه الكتب مضافة إلى الله تعالى فليست بصيغة لفظه ولا على نظم كلامه كما نزل القرآن جامعا لألفاظه ومعانيه وترتيبه فصار مباينا لجميع كتبه، وما هذا إلّا بمعونة إلهية حفظ الله تعالى بها إعجازه وأمدّ بها رسوله كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (?) .
فإن قيل: فحفظ الكلام على صيغة لفظه واشتمال معانيه لا يكون معجزا كأشعار الجاهلية القدماء وأمثال من سلف من الحكماء (?) ، فعنه جوابان:
أحدهما: أن في هذا محولا ومتروكا فلم ينحفظ.
والثاني: أنه لا يعلم حاله فلم ينضبط والقرآن مخالف لهما في حفظه وضبطه.