ومجيء الأخبار ينقسم إلى أربعة أقسام، اخبار استفاضة وأخبار تواتر وأخبار آحاد بقرائن وأخبار آحاد مجردة، فأما أخبار الاستفاضة والتواتر فقد أطلق أهل العلم ذكرهما ولم يفرقوا بينهما وهما عندي مفترقان لأن اختلاف الأسماء موضوع لاختلاف المسمى فكان حملها على حقيقة الاختلاف أولى من حملها على مجاز الائتلاف فأخبار الاستفاضة ما بدأت منتشرة عن كل مخبر من بر وفاجر عن قصد وغير قصد ويتحققها كل سامع من عالم وجاهل فلا يختلف فيها مخبر ولا يتشكك فيها سامع ويستوي طرفاها ووسطها فتكون أوائلها كأواخرها وتناهيها وهو أقوى الأخبار ورودا وأبلغها ثبوتا.
وأما أخبار التواتر فهو ما أخبر به الواحد بعد الواحد حتى كثروا وبلغوا عددا ينتفي عن مثلهم المواطأة على الكذب والاتفاق على الغلط ولا يعرض في خبرهم شط ولا توهم فيكون من أوله من أخبار الآحاد وفي آخره من أخبار التواتر فيصير مخالفا لأخبار الاستفاضة في أوله وموافقا لها في آخره ويكون الفرق بين خبر الاستفاضة وخبر التواتر من ثلاثة أوجه:
أحدها: ما ذكرناه من اختلافها في الابتداء والانتهاء.
والثاني: أن أخبار الاستفاضة قد تكون عن غير قصد وأخبار التواتر لا تكون إلّا عن قصد.
والثالث: أن أخبار الاستفاضة لا يعتبر فيها عدالة المخبرين ويعتبر في أخبار التواتر عدالة المخبرين ثم يستوي الخبران في إنتفاء الشك عنهما ووقوع العلم بهما ومثال الأستفاضة في أحكام الشرع إعداد الصلوات ومثال التواتر في أحكام الشرع نصب الزكوات واختلف في وقوع العلم بهما هل هو علم إضطرار أو علم اكتساب على وجهين:
أحدهما: أنه علم إكتساب وقع عن استدلال وهو قول بعض أصحاب الشافعي وبعض المتكلمين لأن العلم بخبرهم يقترن بصفات تختص بهم فصار طلب الصفات استدلالا يوصل إلى العلم بخبرهم.