فريق يزعم أن الصواب ما ادعاه دون منازعه، ويقدح فيما ادعاه [الآخر، ولا] (?) يتهيأ له قدح في قول منازعه (?)، إلا ويتهيأ (?) لمنازعه مثله أو أكثر منه أو دونه، فلو ظن آخرون فقالوا: العلة كونها (?) مما تُنبته الأرضُ، واحتجَّ بأنَّ اللَّه سبحانه امتن على عباده بما تنبته لهم الأرض، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]، وقال: إن من تمام النعمة فيه أن لا يُباع بعضُه ببعض متفاضلًا، لكان قولُه واحتجاجُه من جنس قول الآخرين واحتجاجهم، وما هذا سبيلُه فكيف يكون من الدين بسبيل؟ (?).
قالوا: وأيضًا فإذا كان النَّصُّ [في الأصل قد دل على شيئين: ثبوت الحكم فيه نطقًا، وتعديته إلى ما في معناه بالعلة، فإذا نُسخ الحكم] (?) في الأصل هل يبقى الحكم في الفرع أو يزول؟ فإنْ قلتم: "يبقى" فهو محال، وإنْ قلتم: "يزول" تناقضتم؛ إذ من أصلكم أنَّ نسخَ بعض ما يتناوله النص لا يوجبُ نسخَ جميع ما يتناوله (?) كالعام إذا خُصَّ بعضُ أفراده لم يوجب ذلك تخصيصَ (?) غيره؛ فإذا كان حكم الأصل قد دلَّ على شيئين فارتفع أحدُهما فما الموجب لارتفاع الثاني؟ وإن قلتم: "يثبت بالقياس ويرتفع بالقياس" قيل: إنما أثبتُّموه لوجود العلة الجامعة عندكم، والعلة لم تزلْ بالنسخ، وهي سبب ثبوته، وما دام السبب قائمًا فالمسبَّب كذلك، ولو زالت العلة بالنسخ لأمكن تصحيحُ قولِكم.
فإن قلتم: نسخُ حكمِ الأصلِ [يقتضي نسخ كون العلَّةِ علةً.
قيل: هذه دعوى لا دليلَ عليها، فإن النص اقتضى ثبوتَ حكم الأصل] (6)، وكون وصف كذا علة تقتضي (?) التعدية على قولكم، فهما حكمان متغايران؛ فزوالُ أحدهما لا يستلزم زوالَ الآخر.
قالوا: ولو كان القياسُ من الدين لقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لأمته: "إذا أمرتكم بأمرٍ أو نهيتكم عن شيء فقيسوا عليه ما كان مثله أو شبهه" ولكان هذا أكثر شيء في