وجعل ذلك آيةً ودليلًا على خمسة مطالب، أحدها: وجود الصانع، وأنه الحق المبين، وذلك يستلزم إثبات صفات كماله وقدرته وإرادته وحياته وعلمه وحكمته ورحمته وأفعاله. الثانى: أنه يحيي الموتى. الثالث: عمومُ قدرته على كل شيء. الرابع: إتيان الساعة وأنها لا ريب فيها. الخامس: أنه يخرج الموتى من القبور كما يخرج (?) النبات من الأرض.
وقد كَرَّر سبحانه ذكر هذا الدليل في كتابه مرارًا؛ لصحة مقدماته، ووضوح دَلَالته، وقُرْب تَنَاوله، وبُعْده من كل معارضة وشُبْهة، وجَعَلَه تبصرةً وذكرى كما قال تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)} [ق: 7، 8].
فالمنيب إلى ربِّه يتذكَّر بذلك، فإذا تذكَّر تبصَّرَ به، فالتذكُّر قبل التبصُّر، وإن قُدِّمَ (?) عليه في اللفظ كما قال [تعالى] (?): {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)} [الأعراف: 201]، والتذكر: تَفَعُّلٌ من الذِّكر، وهو حصول (?) صورة من المذكور في القلب، فإذا استحضره القلبُ وشاهدَهُ على وَجْهه أوْجَبَ له [البصيرة، فابْصَرَ] (?) ما جُعل دليلًا عليه، فكان في حقه تبصرةً وذكرى، والهدى مداره على هذين الأصلين: التَّذكُّر، والتَّبصُّر.
وقد دعا سبحانه الإنسانَ إلى أن ينظر في مبدأ خلقه [ورزقه] (3)، ويستدل بذلك على مَعَاده وصِدْق ما أخبرت به الرسل؛ فقال في الأول: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ