فاز وغنم، ومن حُرِمَهما: فالخيرَ كله حُرِم، وهما مورد انقسام العباد إلى مرحوم ومحروم، وبهما يتميز البر من الفاجر، والتقي من الغَوِيّ، والظالم من المظلوم.
ولما كان العلم للعمل قرينًا وشافعًا، وشَرَفُه لشرف معلومه تابعًا، كان أشرفُ العلوم على الإطلاق علْمَ التوحيد، وأنفعها على أحكام [أفعال] (?) العبيد، ولا سبيل إلى اقتباس هذين النورين، وتلقي هذين العِلْمين؛ إلا من مِشْكَاة مَنْ قامت الأدلة القاطعة على عِصْمَته، وصَرَّحت الكتبُ السماوية بوجوب طاعته ومُتَابعته، وهو: الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 4].
ولما كان التَّلَقِّي عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- على نوعين: نوع بواسطة، ونوع بغير واسطة، وكان التَّلقي بلا واسطة حظَّ أصحابه الذين حازوا قصبات (?) السِّباق، واستولَوْا على الأمد (?)، فلا مَطْمَع (?) لأحد من الأمة بعدهم في اللحاق، ولكن المُبرِّز: من اتبع صراطهم (?) المستقيم، واقتفى منهاجهم القويم، والمتخلِّف: مَنْ عدل عن طريقهم ذات اليمين وذات الشمال؛ فذلك المنقطع التائه في بَيْداء المهالك والضلال.
فأي خَصْلة خير لم يسبقوا إليها؟ وأيّ خطَّة رُشدٍ لم يستولوا عليها؟ تاللَّه لقد وَرَدُوا رأسَ الماء من عين الحياة عَذْبًا صافيًا زُلالًا، وأطَّدوا (?) قواعد الإسلام فلم يَدَعُوا لأحد بعدهم مَقَالًا، فتحوا القلوب [بِعَدْلهم] (?) بالقرآن والإيمان، والقُرَى بالجهاد بالسيف (?) والسِّنان، وألْقَوا إلى التابعين ما تلقوه من مِشْكاة النبوة خالصًا صافيًا، وكان سَنَدُهم فيه عن نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم-، عن جبريل، عن رب العالمين