وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] فسبحان مَنْ أفاض على عباده النعمة، وكَتَب على نفسه الرحمة، وأودع الكتابَ الذي كتبَه، أنَ رحمتَه تغلب غضبه، وتبارك (?) مَنْ له في كل شيء على ربوبيته ووحدانيته وعلمه وحكمته أعْدَلُ شاهد، ولو لم يكن إلَّا أنْ فاضَلَ بين عباده في مراتِب الكَمَال (?)، حتى عَدَل (?) الآلافَ المؤلَّفَةَ منهم بالرجل الواحد، ذلك ليُعلِم عباده أنه أنزل التوفيقَ مَنَازِلَه، ووضع الفضلَ مواضعه، وأنه يختصُّ برحمته مَنْ يشاء وهو العليم الحكيم، وأن الفضل بِيَدِ اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم.
أحمدُه -والتوفيقُ للحمد من نعمه-، وأشكره -والشكرُ كفيلٌ بالمزيد من فضله [وكرمه] (?) وقَسْمِه-، وأستغفره، وأتوب إليه من الذنوب التي توجب زَوَالَ [نعمه، وحلول نقمه] (?).
وأشهد أنْ لا إله إلا اللَّه -وحده لا شريك له-، كلمة قامت بها الأرض والسماوات، وفَطَر اللَّه عليها جميعَ المخلوقات، وعليها أُسِّسَتِ الملة، ونُصِبت القِبلة، ولأجلها جُرّدت سيوف الجهاد، وبها أمر اللَّه سبحانه جميعَ العباد؛ وهي (?) فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها، ومفتاحُ عُبُوديته التي دعا الأمم على ألسن رُسُله إليها، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السَّلام، وأساس الفرض والسُّنَّة، ومَنْ كان آخر كلامه: لا إله إلا اللَّه؛ دخَل الجنة.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخِيرَتُه (?) من خلقه، وحجته على عباده، وأمِينُه على وَحْيه، أرسله رحمةً للعالَمين، وقُدوةً للعالِمين (?)، ومَحَجَّةً للسالكين، وحُجَّةً على المعَاندين، وحَسْرةً على الكافرين.
أرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى اللَّه بإذنه وسراجًا منيرًا، وأنعم به على أهل الأرض نعمةً لا يستطيعون لها شُكورًا، فأَمدَّه بملائكته المُقَرَّبين (?)، وأيَّده بنصره وبالمؤمنين، وأنزل عليه كتابه المبين، الفارقَ بين الهُدَى والضلال، [والغي والرشاد] (?)، والشك واليقين، فشرَحَ