الفائدة السادسة والستون: هل يلزم المستفتي أن يجتهد في أعيان المفتين ويسأل الأعلم والأدين أم لا يلزمه ذلك؟ فيه مذهبان كما سبق وبيَّنا مأخذهما والصحيح أنه يلزمه؛ لأنه المستطاع من تقوى اللَّه [تعالى] (?) المأمور بها كل أحد، وتقدم أنه إذا اختلف عليه مفتيان [أحدهما] (2) أورع و [الآخر] (?) أعلم فأيهما يجب تقليده؟ فيه ثلاثة مذاهب سبق توجيهها.
وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟ فيه مذهبان (?):
أحدهما: لا يلزمه، وهو الصواب المقطوع به إذ لا واجب إلا ما أوجبه اللَّه ورسوله، ولم يوجب اللَّه ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دينه دون غيره، وقد انطوت القرون الفاضلة [مبرأة مبرأ] (?) أهلها من هذه النسبة، بل لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به فالعامي لا مذهب له لأن المذهب [إنما يكون] (1) لمن له نوع نظر واستدلال، [ويكون بصيرًا بالمذاهب] (?) على حسبه أو لمن قرأ كتابًا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقواله، وأما من لم يتأهل لذلك البتة، بل قال: أنا شافعي أو حنبلي أو غير ذلك لم يصر كذلك بمجرد القول، كما لو قال: أنا فقيه أو نحوي أو كاتب لم يصر كذلك بمجرد قوله.
يوضحه أن القائل [أنه] (1) شافعي أو مالكي أو حنفي يزعم أنه متبع لذلك الإِمام سالك طريقه، وهذا إنما يصح له إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة