أصحهما له ذلك، فإن المذاهب لا تبطل بموت أصحابها ولو بطلت بموتهم لبطل ما بأيدي الناس من الفقه عن أَئمتهم، ولم يسغ لهم تقليدهم والعمل بأقوالهم، وأيضًا لو بطلت أقوالهم بموتهم لم يعتد بهم في الإجماع والنزاع، ولهذا لو شهد الشاهدان ثم ماتا بعد الأداء وقُبِل الحكم بشهادتهما [لم تبطل شهادتهما] (?) وكذلك الراوي لا تبطل روايته بموته، [فكذلك المفتي لا تبطل فتواه بموته] (1)، ومن قال: تبطل فتواه بموته قال: أهليته زالت بموته ولو عاش لوجب عليه تجديد الاجتهاد، ولأنه قد يتغير اجتهاده، وممن حكى الوجهين في المفتي أبو الخطاب (?) فقال: إن مات المفتي قبل عمل المستفتي فله العمل بها، وقيل: لا يعمل [بها] (?)، واللَّه أعلم.
الفائدة الخامسة والستون: إذا استفتاه في (?) حكم حادثة فأفتاه وعمل بقوله، ثم وقعت له مرة ثانية فهل له أن يعمل بتلك الفتوى الأولى أم يلزمه الاستفتاء مرة ثانية؟ فيه وجهان لأصحاب أحمد (?) والشافعي (?) فمن لم يُلزمه بذلك قال: الأصل بقاء ما كان فله أن يعمل بالفتوى وإن أمكن تغير الاجتهاد (?)، كما أن له أن يعمل بها بعد مدة من وقت الإفتاء، وإن جاز تغير اجتهاده، ومن منعه من ذلك قال: ليس على ثقة من بقاء المفتي على اجتهاده الأول، فلعله أن يرجع عنه فيكون المستفتي قد عمل بما هو خطأ عند من استفتاه، ولهذا رجَّح بعضهم العمل بقول الميت على قول الحي واحتجوا بقول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "من كان منكم مستنًا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة" (?).